ولما تم الكلام، ذكر حالها المعلل بالابتغاء فقال :﴿مواخر﴾ أي جواري مستدبرة الريح شاقة للماء خارقة للهواء بصدرها هذه مقبلة وهذه مدبرة وجهها إلى ظهر هذه بريح واحدة ؛ قال البخاري في باب التجارة في البحر : وقال مجاهد : تمخر السفن الريح، ولا تمخر الريح من السفن إلا الفلك العظام ؛ وقال صاحب القاموس : مخرت السفينة كمنع مخراً ومخوراً : جرت أو استقبلت الريح في جريتها، والفلك المواخر التي يسمع صوت جريها أو تشق الماء بجآجئها أو المقبلة والمدبرة بريح واحدة، وفي الحديث : إذ أراد أحدكم البول فليتمخر الريح، وفي لفظ : استمخروا الريح، أي اجعلو ظهوركم إلى الريح فإنه إذا ولاها شقها بظهره فأخذت عن يمينه ويساره، وقد يكون استقبالها تمخراً غير أنه في الحديث استدبار - انتهى كلام القاموس.
ثم علق بالمخر معللاً قوله :﴿لتبتغوا﴾ أي تطلبوا طلباً شديداً.
ولما تقدم الاسم الأعظم في الآية قبلها، أعاد الضمير عليه ليعلم شدة ارتباط هذه الآية بالتي قبلها فقال :﴿من فضله﴾ أي الله بالتوصل بذلك إلى البلاد الشاسعة للمتاجر وغيرها ولو جعلها ساكنة لم يترتب عليها ذلك، وفي سورة الجاثية ما ينفع هنا ﴿ولعلكم تشكرون﴾ أي ولتكون حالكم بهذه النعم الدالة على عظيم قدرة الله ولطفه حال من يرجى شكره.
ولما ذكر سبحانه اختلاف الذوات الدال على بديع صنعه، أتبعه تغييره المعاني آية على بليغ قدرته، فقال في موضع الحال من فاعل " خلقكم " إشارة إلى أن الله تعالى صور آدم حين خلق الأرض قبل أن يكون ليل أو نهار ثم نفخ فيه الروح آخر يوم الجمعة بعد أن خلق النور يوم الأربعاء، فلم يأت على الإنسان حين من الدهر وهو مقدار حركة الفلك إلا وهو شيء مذكور :﴿يولج﴾ أي يدخل على سبيل الجولان ﴿الّيل في النهار﴾ فيصير الظلام ضياء.