ولما كان أمراً فائتاً لقوى العقول، نبه عليه بالالتفات إلى مظهر العظمة فقال :﴿فأخرجنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿به﴾ أي الماء من الأرض ﴿ثمرات﴾ أي متعددة الأنواع ﴿مختلفاً ألوانها﴾ أي ألوان أنواعها وأصنافها وهيئاتها وطبائعها، فالذي قدر على المفاوتة بينها وهي من ماء واحد لا يستبعد عليه أن يجعل الدلائل بالكتاب وغيره نوراً لشخص وعمى لآخر.
ولما ذكر تنوع ما عن الماء وقدمه لأنه الأصل في التلوين كما أنه الأصل في التكوين، أتبعه التلوين عن التراب الذي هو أيضاً شيء واحد، فقال ذاكراً ما هو أصلب الأرض وأبعدها عن قابلية التأثر وقطعه عن الأول لأن الماء لا تأثير له فيه :﴿ومن﴾ أي ومما خلقنا من ﴿الجبال جدد﴾ أي طرائق وعلامات وخطوط متقاطعة ﴿بيض وحمر﴾ ولعله عبر عنها بذلك دون طرق إشارة إلى أن من غرابتها أنها لا تخلق ولا تضمحل ألوانها على طول الأزمان كما هو العادة في غالب ما يتقادم عهده، والجد بالفتح، والجدة بالكسر، والجدد بالتحريك : وجه الأرض، وجمعه جدد بالكسر، والجدة بالضم : الطريقة والعلامة والخط في ظهر الحمار يخالف لونه وجمعه جدد كغدة وغدد وعدة وعدد ومدة ومدد والجدد محركة : ما أشرف من الرمل وشبه السلعة بعنق البعير والأرض الغليظة المستوية، والجدجد بالفتح : الأرض المستوية.
ولما كان أبلغ من ذلك أن تلك الطرق في أنفسها غير متساوية المواضع في ذلك اللون الذي تلونت به، قال تعالى دالاً على أن كلاً من هذين اللونين لم يبلغ الغاية في الخلوص :﴿مختلف ألوانها﴾ وهي من الأرض وهي واحدة.
ولما قدم ما كان مستغرباً في ألوان الأرض لأنه على غير لونها الأصلي أتبعه ما هو أقرب إلى الغبرة التي هي أصل لونها.


الصفحة التالية
Icon