وقال أبو السعود :
﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾
استئنافٌ مسوق لتقريرِ ما قبله من اختلافِ أحوالِ النَّاسِ ببيان أنَّ الاختلافَ والتَّفاوتَ أمرٌ مطَّردٌ في جميعِ المخلوقات من النَّباتِ والجمادِ والحيوانِ. والرُّؤيةُ قلبية أي ألم تعلمَ ﴿ أَنَّ الله أنَزَلَ مِنَ السماء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ﴾ بذلك الماءِ. والالتفات لإظهارِ كمال الاعتناءِ بالفعلِ لما فيه من الصُّنعِ البديعِ المنبىءِ عن كمالِ القُدرةِ والحكمةِ ﴿ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا ﴾ أي أجناسُها أو أصنافُها على أنَّ كلاًّ منها ذُو أصنافٍ مختلفةٍ. أو هيئاتُها وأشكالُها أو ألوانُها من الصُّفرةِ والخُصرةِ والحُمرةِ وغيرِها وهو الأوفقُ لما في قوله تعالى :﴿ مّنَ الجبال جُدَدٌ ﴾ أي ذو جديد أي خططٍ وطرائقَ ويقالُ جدة الحمارِ للخطةِ السَّوداءِ على ظهره وقُرىء جُدُد بالضَّمِّ جمع جديدةٍ بمعنى الجدة وجَدَد بفتحتينِ وهو الطَّريقُ الواضحُ ﴿ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ ألوانها ﴾ بالشِّدةِ والضَّعفِ ﴿ وَغَرَابِيبُ سُودٌ ﴾ عطفٌ على بيضٌ أو على جدُد كأنَّه قيل : ومن الجبالِ مُخطَّطٌ ذو جُددٍ ومنها ما هو على لونٍ واحدٍ غرابيبَ وهو تأكيد لمضمر يفسِّره ما بعدِه فإنَّ الغربيبَ. تأكيدٌ للأسودِ كالفاقعِ للأصفرِ والقانِي للأحمرِ ومن حقِّ التَّأكيدِ أنْ يتبعَ المؤكَّدَ، ونظيرُه في الصِّفةِ قولُ النَّابغةِ :
والمؤمنِ العائذاتِ الطَّيرَ يمسحُها... وفي مثلهِ مزيدٌ تأكيدٍ لما فيه التَّكرارِ باعتبار الإضمارِ والإظهارِ.