فيسبق إليه قبل تسويل النفس والمقتصد يقع في قلبه فتردده النفس، والظالم تغلبه النفس، ونقول بعبارة أخرى من غلبته النفس الأمارة وأمرته فأطاعها ظالم ومن جاهد نفسه فغلب تارة وغلب أخرى فهو المقصد ومن قهر نفسه فهو السابق وقوله :﴿ذَلِكَ هُوَ الفضل الكبير﴾ يحتمل وجوهاً أحدها : التوفيق المدلول عليه بقوله :﴿بِإِذْنِ الله ذَلِكَ هُوَ الفضل الكبير﴾، ثانيها : السبق بالخيرات هو الفضل الكبير ثالثها : الإيراث فضل كبير هذا على الوجه المشهور من التفسير، أما الوجه الآخر وهو أن يقال :﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب﴾ أي جنس الكتاب، كما قال تعالى :
﴿جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير﴾ [ فاطر : ٢٥ ] يرد عليه أسئلة أحدهما : ثم للتراخي وإيتاء الكتاب بعد الإيحاء إلى محمد ﷺ لم يكن فما المراد بكلمة ثم ؟ نقول معناه إن الله خبير بصير خبرهم وأبصرهم ثم أورثهم الكتاب كأنه تعالى قال إنا علمنا البواطن وأبصرنا الظواهر فاصطفينا عباداً ثم أورثنا الكتاب، ثانيها : كيف يكون من الأنبياء ظالم لنفسه ؟ نقول منهم غير راجع إلى الأنبياء المصطفين، بل المعنى إن الذي أوحينا إليك هو الحق وأنت المصطفى كما اصطفينا رسلاً وآتيناهم كتباً، ومنهم أي من قومك ظالم كفر بك وبما أنزل إليك ومقتصد آمن بك ولم يأت بجميع ما أمرته به وسابق آمن وعمل صالحاً وثالثها : قوله :﴿جنات عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾ [ الرعد : ٢٣ ] الداخلون هم المذكورون وعلى ما ذكرتم لا يكون الظالم داخلاً، نقول الداخلون هم السابقون، وأما المقتصد فأمره موقوف أو هو يدخل النار أو لا ثم يدخل الجنة والبيان لأول الأمر لا لما بعده، ويدل عليه قوله :﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ﴾ [ الكهف : ٣١ ] وقوله :﴿أَذْهَبَ عَنَّا الحزن﴾ [ فاطر : ٣٤ ]