وقال كعب الأحبار : استوت مناكبهم وربّ الكعبة وتفاضلوا بأعمالهم.
وقال أبو إسحاق السَّبِيعي : أما الذي سمعت منذ ستين سنة فكلهم ناجٍ.
وروى أسامة بن زيد أن النبيّ ﷺ قرأ هذه الآية وقال :" كلهم في الجنة " وقرأ عمر بن الخطاب هذه الآية ثم قال : قال رسول الله ﷺ :" سابِقُنا سابق ومُقْتَصِدُنا ناجٍ وظالمنا مغفور له " فعلى هذا القول يقدّر مفعول الاصطفاء من قوله :﴿ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ مضافا حُذف كما حذف المضاف في ﴿ واسأل القرية ﴾ [ يوسف : ٨٢ ] أي اصطفينا دينهم، فبقي اصطفيناهم ؛ فحذف العائد إلى الموصول كما حذف في قوله :﴿ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تزدري أَعْيُنُكُمْ ﴾ [ هود : ٣١ ] أي تزدريهم، فالاصطفاء إذاً موجه إلى دينهم، كما قال تعالى :﴿ إِنَّ الله اصطفى لَكُمُ الدين ﴾ [ البقرة : ١٣٢ ].
قال النحاس : وقول ثالث : يكون الظالم صاحبَ الكبائر، والمقتصد الذي لم يستحق الجنة بزيادة حسناته على سيئاته ؛ فيكون :﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا ﴾ للذين سبقوا بالخيرات لا غير.
وهذا قول جماعة من أهل النظر ؛ لأن الضمير في حقيقة النظر لما يليه أولى.
قلت : القول الوسط أوْلاها وأصحها إن شاء الله ؛ لأن الكافر والمنافق لم يصطفَوا بحمد الله، ولا اصطفى دينهم.
وهذا قول ستة من الصحابة، وحسْبُك.
وسنزيده بياناً وإيضاحاً في باقي الآية.
الثانية : قوله تعالى :﴿ أَوْرَثْنَا الكتاب ﴾ أي أعطينا.
والميراث عطاء حقيقةً أو مجازاً ؛ فإنه يقال فيما صار للإنسان بعد موت آخر.
و"الكتابَ" هاهنا يريد به معاني الكتاب وعلمه وأحكامه وعقائده، وكأن الله تعالى لما أعطى أمة محمد ﷺ القرآن، وهو قد تضمن معاني الكتب المنزلة، فكأنه ورّث أمة محمد عليه السلام الكتاب الذي كان في الأمم قبلنا.
﴿ اصطفينا ﴾ أي اخترنا.


الصفحة التالية
Icon