فإن قلت قابل الأعمى بالبصير بلفظ المفرد وكذلك الظل بالحرور وقابل الأحياء بالأموات بلفظ الجمع، وقابل الظلمات بالنور بلفظ الجمع في أحدهما والواحد في الآخر، فهل تعرف فيه حكمة ؟ قلت : نعم بفضل الله وهدايته، أما في الأعمى والبصير والظل والحرور، فلأنه قابل الجنس بالجنس، ولم يذكر الأفراد لأن في العميان وأولى الأبصار قد يوجد فرد من أحد الجنسين يساوي فرداً من الجنس الآخر كالبصير الغريب في موضع والأعمى الذي هو تربية ذلك المكان، وقد يقدر الأعمى على الوصول إلى مقصد ولا يقدر البصير عليه، أو يكون الأعمى عنده من الذكاء ما يساوي به البليد البصير، فالتفاوت بينهما في الجنسين مقطوع به فإن جنس البصير خير من جنس الأعمى، وأما الأحياء والأموات فالتفاوت بينهما أكثر، إذ ما من ميت يساوي في الإدراك حياً من الأحياء، فذكر أن الأحياء لا يساوون الأموات سواء قابلت الجنس بالجنس أو قابلت الفرد بالفرد، وأما الظلمات والنور فالحق واحد وهو التوحيد والباطل كثير وهو طرق الإشراك على ما بينا أن بعضهم يعبدون الكواكب وبعضهم النار وبعضهم الأصنام التي هي على صورة الملائكة، وإلى غير ذلك والتفاوت بين كل فرد من تلك الأفراد وبين هذا الواحد بين، فقال الظلمات كلها إذا اعتبرتها لا تجد فيها ما يساوي النور، وقد ذكرنا في تفسير قوله :﴿وَجَعَلَ الظلمات والنور﴾ [ الأنعام : ١ ] السبب في توحيد النور وجمع الظلمات، ومن جملة ذلك أن النور لا يكون إلا بوجود منور ومحل قابل للاستنارة وعدم الحائل بين النور والمستنير.


الصفحة التالية
Icon