ولما بيّن أنه سبحانه هو الذي استخلفهم، أكد بيان ذلك عندهم بأمره ـ ﷺ ـ بما يضطرهم إلى الإعتراف به فقال :﴿قل أرءيتم﴾ أي أخبروني ﴿شركاءكم﴾ أضافهم إليهم لأنهم وإن كانوا جعلوهم شركاءه لم ينالوا شيئاً من شركته لأنهم ما نقصوه شيئاً من ملكه، وإنما شاركوا العابدين في أموالهم بالشوائب وغيرها وفي أعمالهم فهم شركاؤهم بالحقيقة لا شركاؤه، ثم بين المراد من عدهم لهم شركاء بقوله :﴿الذين تدعون﴾ أي تدعونهم شركاء ﴿من دون الله﴾ أي الذي له جميع صفات الكمال.
ولما كان التقدير : بأي شيء جعلتموهم شركاء في العبادة، ألهم شرك في الأرض، بنى عليه قوله مكرراً لإشهادهم عجز شركائهم ونقص من عبدوه من دونه :﴿أروني ماذا﴾ أي الذي أو أيّ شيء ﴿خلقوا من الأرض﴾ أي لتصح لكم دعوى الشركة فيهم، وإلا فادعاؤكم ذلك فيهم كذب محض وأنتم تدعون أنكم أبعد الناس منه في الأمور الهينة فكيف بمثل هذا، ولعل استفهامهم عن رؤية شركائهم تنبيه على أنهم من الامتهان والحقارة بحيث يراهم كل من يقصد رؤيتهم ويعلم أنه لا خلق لهم، والله تعالى، بخلاف ذلك في كل من الأمرين، مترد برداء الكبر محتجب بحجاب الجلال والعز، وكل أحد يعلم أنه خالق لكل مخلوق، فكيف يكون من لا يخلق كمن يخلق.
ولما نبههم بهذا الأمر الذي ساقه المعلم بأنه لا ينبغي لعاقل أن يدعي شركة لشيء حتى يعلم الشركة وإن جهل عين المشارك فيه، قال مؤكداً لذلك موسعاً لهم في المحال، زيادة في تبكيتهم على ما هم فيه من الضلال :﴿أم لهم شرك﴾ أي وإن كان قليلاً ﴿في السماوات﴾ أي أروني ما خلقوا في السماوات، فالآية من الاحتباك : حذف أولاً الاستفهام عن الشركة في الأرض لدلالة مثله في السماء ثانياً عليه، وحذف الأمر بالإراءة ثانياً مثله أولاً عليه.


الصفحة التالية
Icon