لما بين إنكارهم للتوحيد ذكر تكذيبهم للرسول ومبالغتهم فيه حيث إنهم كانوا يقسمون على أنهم لا يكذبون الرسل إذا تبين لهم كونهم رسلاً وقالوا : إنما نكذب بمحمد ﷺ لكونه كاذباً، ولو تبين لنا كونه رسولاً لآمنا كما قال تعالى عنهم :﴿وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم لَئِن جَاءتْهُمْ ءايَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا﴾ [ الأنعام : ١٠٩ ] وهذا مبالغة منهم في التكذيب، كما أن من ينكر دين إنسان قد يقول والله لو علمت أن له شيئاً علي لقضيته وزدت له، إظهاراً لكونه مطالباً بالباطل، فكذلك ههنا عاندوا وقالوا والله لو جاءنا رسول لكنا أهدى الأمم فلما جاءهم نذير أي محمد ﷺ جاءهم أي صح مجيؤه لهم بالبينة ما زادهم إلا نفوراً، فإنهم قبل الرسالة كانوا كافرين بالله وبعدها صاروا كافرين بالله ورسوله ولأنهم قبل الرسالة ما كانوا معذبين كما صاروا، بعد الرسالة وقال بعض المفسرين : إن أهل مكة كانوا يلعنون اليهود والنصارى على أنهم كذبوا برسلهم لما جاءوهم وقالو لو جاءنا رسول لأطعناه واتبعناه، وهذا فيه إشكال من حيث إن المشركين كانوا منكرين للرسالة والحشر مطلقاً، فكيف كانوا يعترفون بالرسل، فمن أين عرفوا أن اليهود كذبوا وما جاءهم كتاب ولولا كتاب الله وبيان رسوله من أين كان يعلم المشركون أنهم صدقوا شيئاً وكذبوا في شيء ؟ بل المراد ما ذكرنا أنهم كانوا يقولون نحن لو جاءنا رسول لا ننكره وإنما ننكر كون محمد رسولاً من حيث إنه كاذب ولو صح كونه رسولاً لآمنا وقوله :﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ﴾ أي فلما صح لهم مجيؤه بالمعجزة، وفي قوله :﴿أهدى﴾ وجهان أحدهما : أن يكون المراد أهدى مما نحن عليه وعلى هذا فقوله :﴿مِنْ إِحْدَى الأمم﴾ للنبيين كما يقول القائل زيد من المسلمين ويدل على هذا قوله تعالى :﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً﴾ أي صاروا أضل مما كانوا وكانوا يقولون نكون أهدى