﴿والذين يَمْكُرُونَ السيئات﴾ [ فاطر : ١٠ ] أي يعملون السيئات، ومكرهم السيء، وهو جميع ما كان يصدر منهم من القصد إلى الإيذاء ومنع الناس من الدخول في الإيمان وإظهار الإنكار، ثم قال :﴿وَلاَ يَحِيقُ المكر السيىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ﴾ أي لا يحيط إلا بفاعله وفي قوله :﴿وَلاَ يَحِيقُ﴾ وقوله :﴿إِلاَّ بِأَهْلِهِ﴾ فوائد، أما في قوله :﴿يَحِيقُ﴾ فهي أنها تنبىء عن الإحاطة التي هي فوق اللحوق وفيه من التحذير ما ليس في قوله ولا يلحق أو ولا يصل، وأما في قوله :﴿بِأَهْلِهِ﴾ ففيه ما ليس في قول القائل ولا يحيق المكر السيء إلا بالماكر، كي لا يأمن المسيء فإن من أساء ومكره سيء آخر قد يلحقه جزاء على سيئه، وأما إذا لم يكن سيئاً فلا يكون أهلاً فيأمن المكر السيء، وأما في النفي والإثبات ففائدته الحصر بخلاف ما يقول القائل المكر السيء يحيق بأهله، فلا ينبىء عن عدم الحيق بغير أهله، فإن قال قائل : كثيراً ما نرى أن الماكر يمكر ويفيده المكر ويغلب الخصم بالمكر والآية تدل على عدم ذلك، فنقول الجواب عنه من وجوه أحدها : أن المكر المذكور في الآية هو المكر الذي مكروه مع النبي ﷺ من العزم على القتل والإخراج ولم يحق إلا بهم، حيث قتلوا يوم بدر وغيره وثانيها : هو أن نقول المكر السيء عام وهو الأصح فإن النبي عليه السلام نهى عن المكر وأخبر عن النبي ﷺ أنه قال :" لا تمكروا ولا تعينوا ماكراً فإن الله يقول ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله " وعلى هذا فذلك الرجل الممكور به ( لا ) يكون أهلاً فلا يرد نقضاً وثالثها : أن الأمور بعواقبها، ومن مكر به غيره ونفذ فيه المكر عاجلاً في الظاهر ففي الحقيقة هو الفائز والماكر هو الهالك وذلك مثل راحة الكافر ومشقة المسلم في الدنيا، ويبين هذا المعنى قوله تعالى :﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ آلأَوَّلِينَ﴾ يعني إذا كان لمكرهم في الحال رواج فالعاقبة