ولما كان السياق لاتصافهم بقوتي الظاهر من الاستكبار والباطن من المكر الضار مكّن قوة الذين خوفهم بمثل مآلهم بوصفهم بالأشدية في جملة حالية فقال :﴿وكانوا﴾ أي أهلكناهم لتكذيبهم رسلنا والحال أنهم كانوا ﴿أشد منهم﴾ أي من هؤلاء ﴿قوة﴾ في قوتي الاستكبار والمكر الجارّ بعد العار إلى النار.
ولما كان التقدير : فما أعجز الله أمر أمة منهم، ولا أمر أحد من أمة حين كذبوا رسولهم، وما خاب له ولي ولا ربح ولا عدو، عطف عليه قوله، مؤكداً إشارة إلى تكذيب الكفرة في قطعهم بأن دينهم لا يتغير، وأنهم لا يغلبون أبداً لما لهم من الكثرة والمكنة وما للمسلمين من القلة والضعف :﴿وما كان الله﴾ أي الذي له جميع العظمة ؛ وأكد الاستغراق في النفي بقوله :﴿ليعجزه﴾ أي مريداً لأن يعجزه، ولما انتفت إرادة العجز فيه انتفى العجز بطريق الأولى! وأبلغ في التأكيد بقوله :﴿من شيء﴾ أي قل أو جل! وعم بما يصل إليه إدراكنا بقوله :﴿في السماوات﴾ أي جهة العلو، وأكد بإعادة النافي فقال :﴿ولا في الأرض﴾ أي جهة السفل.
ولما كان منشأ العجز الجهل، علل بقوله مؤكداً لما ذكر في أول الآية :﴿إنه كان﴾ أي أزلاً وأبداً ﴿عليماً﴾ أي شامل العلم ﴿قديراً﴾ أي كامل القدرة، فلا يريد شيئاً إلا كان.
ولما كانوا يستعجلون بالتوعد استهزاء فيقولون : ما له لا يهلكنا، علم أن التقدير : لو عاملكم الله معاملة المؤاخذ لعجل إهلاككم، فعطف عليه قوله إظهاراً للحكم مع العلم :﴿ولن يؤاخذ الله﴾ أي بما له من صفات العلو ﴿الناس﴾ أي من فيه نوس أي حركة واضطراب من المكلفين عامة.