وهذا مغزى قوله تعالى "فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ" قويناهما بإرسال رسول ثالث وهو على ما قيل شمعون عليه السلام، وذلك أن عيسى عليه السلام لما استبطأهما ولم يأت خبر منهما ولا عنهما أرسل بأمر اللّه رسولا آخر ليسير خبرهما ويبصر ما جرى لهما، فتوجه إلى انطاكية ودخلها متنكرا، وبعد أن استقر صار يختلط مع عامة أهلها ليقف على حالهم ويتعرف على رفيقيه، ولم يزل حتى عرفهما بالسجن من أجل دعوتهما وجود إله هو إله الملك والخلق أجمع، فاتصل بحاشية الملك وصار يعاشر كلا منهم بما يليق به ويكلم كلا بحسب مقامه بما آتاه اللّه من حنكة وحكمة ولين جانب وخلق واسع، حتى استمال الجميع من الخادم إلى الوزير ثم صار يعرض لهم أنه يود مقابلة الملك وأنه يحبه، وقد أنسوا به ولم يريدوا فراقه، فرفعوا أمره للملك وأخبروه بما هو عليه من لياقة ولباقة، فاشتاق إليه واستحضره، فلما كلّمه أنس به وأكرمه ورضي عشرته وأثنى على حاشيته الذين قدموه له نظرا لما كان يعاملهم به من التقية توصلا
لإنقاذ صاحبيه، وصار يجالس الملك ويقص عليه ما يؤنسه، حتى جاء على ذكر الرسولين في جملة حديثه معه وسأله عنهما وسبب حبسهما، فقال له الملك إنهما تجارأا وذكرا أن لهما إلها غير آلهتنا حتى انهما دعوني لعبادته، فأنفت منهما وأمرت بحبسهما.
قال له حينما دعواك إلى غير دينك هل سألتهما وسمعت منهما عن آلهتهما شيئا ؟
قال لا إذ حال الغضب بيني وبين ذلك حتى اني أمرت بضربهما.
قال إن رأى حضرة الملك إحضارهما ليطلع على ما عندهما من هذه الدعوة العظيمة، فدعاهما بالحال وفوضه بخطابهما، فقال لهما من أرسلكما إلى هنا ؟ قالا اللّه الذي خلق كل شيء لا شريك له.
قال لهما صفاه لنا وأوجزا، قالا يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.