وجاء في الحديث انه نصح قومه حيا وميتا، رحمه اللّه فلما مات شهيدا ولقي ربه "قِيلَ" له من قبل ملائكة الرحمة "ادْخُلِ الْجَنَّةَ" فأدخلت روحه فيها رحمه اللّه ودفن جثمانه في سوق انطاكية بالمحل الذي قتل فيه، وقبره معروف حتى الآن يزوره الغادي والبادي، ولما أحست روحه الطاهرة بنعيم الجنة ورأت ما فيها من السرور والروح تتصل بجسدها أحيانا "قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ" ٢٦ ما صرت إليه من النعيم "بِما غَفَرَ لِي رَبِّي" ما اقترفته من الذنوب وستر لي ما جنيته من العيوب وما أكرمني به في الجنة الدائمة، فلو علموا ذلك لآمنوا بالرسل، واللّه يعلم أنهم لم يؤمنوا، إذ لم تكتب لهم السعادة.
وما هنا، مصدرية، أي بالغفران الذي غفره لي وعظمته وما ينتج عنه من خير وأجاز بعض القراء كونها استفهامية، أي بأي شيء غفر لي وهو هجره دينهم والصبر على أذاهم.
وقال الكسائي لو كان ذاك أي جعل ما استفهامية، لقال بم بدون الألف مثل عمّ يتساءلون، وبمثل قوله :
علام أقول الرمح أثقل عاتقي إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت
على الاستفهام لأن اللغة الفصحى حذف الألف إذا جرت بحرف الجر فرقا بينها وبين ما الموصولة، ولا تثبت الألف مع حرف الجر إلا ضرورة لقوله :
على ما يشتمني لئيم كخنزير تمرّغ في رماد
وقول الآخر :
إنا قتلنا بقتلانا سراتكم أهل اللواء فقيما يكثر القتل


الصفحة التالية
Icon