﴿إذ جاءها المرسلون﴾، ( إذ ) منصوبة لأنها بدل من ( أصحاب القرية ) كأنه قال تعالى :﴿واضرب لَهُم﴾ وقت مجيء المرسلين ومثل ذلك الوقت بوقت مجيئك، وهذا أيضاً قول الزمخشري وعلى قولنا إن هذا المثل مضروب لنفس محمد ﷺ تسلية فيحتمل أن يقال إذا ظرف منصوب بقوله :﴿اضرب﴾ أي اجعل الضرب، كأنه حين مجيئهم وواقع فيه، والقرية أنطاكية والمرسلون من قوم عيسى وهم أقرب مرسل أرسل إلى قوم إلى زمان محمد ﷺ وهم ثلاثة كما بين الله تعالى وقوله :﴿إِذ أَرْسَلْنَا﴾ [ يس : ١٤ ] يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون إذ أرسلنا بدلاً من إذ جاءها كأنه قال الضرب لهم مثلاً، إذ أرسلنا إلى أصحاب القرية اثنين وثانيهما : وهو الأصح والأوضح أن يكون إذ ظرفاً والفعل الواقع فيه جاءها أي جاءها المرسلون حين أرسلناهم إليهم أي لم يكن مجيئهم من تلقاء أنفسهم وإنما جاءوهم حيث أمروا، وهذا فيه لطيفة : وهي أن في الحكاية أن الرسل كانوا مبعوثين من جهة عيسى عليه السلام أرسلهم إلى أنطاكية فقال تعالى : إرسال عيسى عليه السلام هو إرسالنا ورسول رسول الله بإذن الله رسول الله فلا يقع لك يا محمد أن أولئك كانوا رسل الرسول وأنت رسول الله فإن تكذيبهم كتكذيبك فتتم التسلية بقوله :﴿إِذ أَرْسَلْنَا﴾ وهذا يؤيد مسألة فقهية وهي أن وكيل الوكيل بإذن الموكل وكيل الموكل لا وكيل الوكيل حتى لا ينعزل بعزل الوكيل إياه وينعزل إذا عزله الموكل الأول، وهذا على قولنا :﴿واضرب لَهُمْ مَّثَلاً﴾ ضرب المثل لأجل محمد ﷺ ظاهر.
إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤)