وقال ابن عاشور :
﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) ﴾
أعقب وصف إعراضهم وغفلتهم عن الانتفاع بهدي القرآن بتهديدهم بعذاب الدنيا إذ قد جاء في آخر هذه القصة قوله :﴿ إن كانت إلا صيحةً واحدةً فإذا هم خامدون ﴾ [ يس : ٢٩ ].
والضرب مجاز مشهور في معنى الوضع والجعل، ومنه : ضرب ختمه.
وضربتْ بيتاً، وهو هنا في الجعل وتقدم عند قوله تعالى :﴿ إن اللَّه لا يستحيي أن يضرب مثلاً مَّا ﴾ في سورة البقرة ( ٢٦ ).
والمعنى : اجعل أصحاب القرية والمرسلين إليهم شَبهاً لأهل مكة وإرسالك إليهم.
ولهم } يجوز أن يتعلق بـ ﴿ اضرب ﴾ أي اضرب مثلاً لأجلهم، أي لأجل أن يعتبروا كقوله تعالى :﴿ ضرب لكم مثلاً من أنفسكم ﴾ [ الروم : ٢٨ ].
ويجوز أن يكون ﴿ لهم ﴾ صفة ل ( مثَل )، أي اضرب شبيهاً لهم كقوله تعالى :﴿ فلا تضربوا لله الأمثال ﴾ [ النحل : ٧٤ ].
والمثل : الشبيه، فقوله :﴿ واضرب لهم مثلاً ﴾ معناه ونظّرْ مثلاً، أي شَبِّه حالهم في تكذيبهم بك بشبيه من السابقين، ولما غلب المثل في المشابه في الحال وكان الضرب أعم جُعل ﴿ مثلاً ﴾ مفعولاً ل ﴿ اضرب ﴾، أي نظّر حالهم بمشابه فيها فحصل الاختلاف بين ﴿ اضرب ﴾، و ﴿ مثلاً ﴾ بالاعتبار.
وانتصب ﴿ مثلاً ﴾ على الحال.
وانتصب ﴿ أصحاب القرية ﴾ على البيان ل ﴿ مثلاً ﴾، أو بدل، ويجوز أن يكون مفعولاً أول ل ﴿ اضرب ﴾ و ﴿ مثلاً ﴾ مفعولاً ثانياً كقوله تعالى :﴿ ضرب اللَّه مثلاً قرية ﴾ [ النحل : ١١٢ ].
والمعنى : أن حال المشركين من أهل مكة كحال أصحاب القرية الممثل بهم.
و﴿ القرية ﴾ قال المفسرون عن ابن عباس : هي ( أنطاكية ) وهي مدينة بالشام متاخمة لبلاد اليونان.
والمرسلون إليها قال قتادة : هم من الحواريين بعثهم عيسى عليه السلام وكان ذلك حين رُفِع عيسى.
وذكروا أسماءهم على اختلاف في ذلك.