ثم قال تعالى :﴿أَءَتَّخِذُ مِن دُونِهِ ءَالِهَةً﴾ ليتم التوحيد، فإن التوحيد بين التعطيل والإشراك، فقال : ومالي لا أعبد إشارة إلى وجود الإله وقال :﴿أَءَتَّخِذ مِن دُونِهِ﴾ إشارة إلى نفي غيره فيتحقق معنى لا إله إلا الله، وفي الآية أيضاً لطائف الأولى : ذكره على طريق الاستفهام فيه معنى وضوح الأمر، وذلك أن من أخبر من شيء فقال مثلاً لا أتخذ يصح من السامع أن يقول له لم لا تتخذ فيسأله عن السبب، فإذا قال : أأتخذ يكون كلامه أنه مستغن عن بيان السبب الذي يطالب به عند الإخبار، كأنه يقول استشرتك فدلني والمستشار يتفكر، فكأنه يقول تفكر في الأمر تفهم من غير إخبار مني الثانية : قوله من دونه وهي لطيفة عجيبة : وبيانها هو أنه لما بين أنه يعبد الله بقوله :﴿الذي فَطَرَنِي﴾ [ يس : ٢٢ ] بين أن من دونه لا تجوز عبادته فإن عبد غير الله وجب عبادة كل شيء مشارك للمعبود الذي اتخذ غير الله، لأن الكل محتاج مفتقر حادث، فلو قال لا أتخذ آلهة لقيل له ذلك يختلف إن اتخذت إلهاً غير الذي فطرك، ويلزمك عقلاً أن تتخذ آلهة لا حصر لها، وإن كان إلهك ربك وخالقك فلا يجوز أن تتخذ آلهة الثالثة : قوله :﴿أَءَتَّخِذُ﴾ إشارة إلى أن غيره ليس بإله لأن المتخذ لا يكون إله، ولهذا قال تعالى :﴿مَا اتخذ صاحبة وَلاَ وَلَداً﴾ [ الجن : ٣ ] وقال :﴿الحمد لِلَّهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا﴾ [ الإسراء : ١١١ ] لأنه تعالى لا يكون له ولد حقيقة ولا يجوز، وإنما النصارى قالوا : تبنى الله عيسى وسماه ولداً فقال :﴿وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً﴾ [ الفرقان : ٢ ] ولا يقال قال الله تعالى :﴿فاتخذه وَكِيلاً﴾ في حق الله تعالى حيث قال :﴿رَّبُّ المشرق والمغرب لاَ إله إِلاَّ هُوَ فاتخذه وَكِيلاً﴾ [ المزمل : ٩ ] نقول ذلك أمر متجدد، وذلك لأن الإنسان في أول الأمر يكون قليل الصبر ضعيف القوة، فلا يجوز أن يترك أسباب الدنيا ويقول إني أتوكل فلا يحسن


الصفحة التالية
Icon