كيف يفهم من الغل في العنق المنع من الإيمان حتى يجعل كناية فنقول المغلول الذي بلغ الغل إلى ذقنه وبقي مقمحاً رافع الرأس لا يبصر الطريق الذي عند قدمه وذكر بعده أن بين يديه سداً ومن خلفه سداً فهو لا يقدر على انتهاج السبيل ورؤيته وقد ذكر من قبل أن المرسل على صراط مستقيم فهذا الذي يهديه النبي إلى الصراط المستقيم العقلي جعل ممنوعاً كالمغلول الذي يجعل ممنوعاً من إبصار الطريق الحسي، ويحتمل وجهاً آخر وهو أن يقال الأغلال في الأعناق عبارة عن عدم الانقياد فإن المنقاد يقال فيه إنه وضع رأسه على الخط وخضع عنقه والذي في رقبته الغل الثخين إلى الذقن لا يطأطىء رأسه ولا يحركه تحريك المصدق، ويصدق هذا قوله :﴿مُّقْمَحُونَ﴾ فإن المقمح هو الرافع رأسه كالمتأبي يقال بعير قامح إذا رفع رأسه فلم يشرب الماء ولم يطأطئه للشرب والإيمان كالماء الزلال الذي به الحياة وكأنه تعالى قال : إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهم مقمحون لا يخضعون الرقاب لأمر الله.
وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (٩)
يكون متمماً لمعنى جعل الله إياهم مغلولين لأن قوله :﴿وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً﴾ إشارة إلى أنهم لا ينتهجون سبيل الرشاد فكأنه قال لا يبصرون الحق فينقادون له لمكان السد ولا ينقادون لك فيبصرون الحق فينقادون له لمكان الغل والإيمان المورث للإيقان.


الصفحة التالية
Icon