وقوله تعالى :﴿فَإِذَا هُمْ خامدون﴾ فيه إشارة إلى سرعة الهلاك فإن خمودهم كان من الصيحة وفي وقتها لم يتأخر، ووصفهم بالخمود في غاية الحسن وذلك لأن الحي فيه الحرارة الغريزية وكلما كانت الحرارة أوفر كانت القوة الغضبية والشهوانية أتم وهم كانوا كذلك، أما الغضب فإنهم قتلوا مؤمناً كان ينصحهم، وأما الشهوة فلأنهم احتملوا العذاب الدائم بسبب استيفاء اللذات الحالية فإذن كانوا كالنار الموقدة، ولأنهم كانوا جبارين مستكبرين كالنار ومن خلق منها فقال :﴿فَإِذَا هُمْ خامدون﴾ وفيه وجه آخر : وهو أن العناصر الأربعة يخرج بعضها عن طبيعته التي خلقه الله عليها ويصير العنصر الآخر بإرادة الله فالأحجار تصير مياهاً، والمياه تصير أحجاراً وكذلك الماء يصير هواء عند الغليان والسخونة والهواء يصير ماء للبرد ولكن ذلك في العادة بزمان، وأما الهواء فيصير ناراً والنار تصير هواء بالاشتعال والخمود في أسرع زمان، فقال خامدين بسببها فخمود النار في السرعة كإطفاء سراج أو شعلة.
ثم قال تعالى :﴿يا حسرة عَلَى العباد﴾ أي هذا وقت الحسرة فاحضري يا حسرة والتنكير للتكثير، وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
الألف واللام في العباد يحتمل وجهين أحدهما : للمعهود وهم الذين أخذتهم الصيحة فيا حسرة على أولئك وثانيهما : لتعريف الجنس جنس الكفار المكذبين.
المسألة الثانية :
من المتحسر ؟ نقول فيه وجوه الأول : لا متحسر أصلاً في الحقيقة إذ المقصود بيان أن ذلك وقت طلب الحسرة حيث تحققت الندامة عند تحقق العذاب.