وقوله :﴿أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ بدل في المعنى عن قوله :﴿كَمْ أَهْلَكْنَا﴾ وذلك لأن معنى :﴿كَمْ أَهْلَكْنَا﴾ ألم يروا كثرة إهلاكنا، وفي معنى، ألم يروا المهلكين الكثيرين أنهم إليهم لا يرجعون، وحينئذٍ يكون كبدل الاشتمال، لأن قوله :﴿أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ حال من أحوال المهلكين، أي أهلكوا بحيث لا رجوع لهم إليهم فيصير كقولك : ألا ترى زيداً أدبه، وعلى هذا فقوله :﴿أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ فيه وجهان أحدهما : أهلكوا إهلاكاً لا رجوع لهم إلى من في الدنيا وثانيهما : هو أنهم لا يرجعون إليهم، أي الباقون لا يرجعون إلى المهلكين بنسب ولا ولادة، يعني أهلكناهم وقطعنا نسلهم، ولا شك في أن الإهلاك الذي يكون مع قطع النسل أتم وأعم، والوجه الأول أشهر نقلاً، والثاني أظهر عقلاً.
وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (٣٢)
لما بين الإهلاك بين أنه ليس من أهلكه الله تركه، بل بعده جمع وحساب وحبس وعقاب، ولو أن من أهلك ترك لكان الموت راحة، ونعم ما قال القائل :
ولو أنا إذا متنا تركنا.. لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا.. ونسأل بعده من كل شيء