وقيل : هذا من قول القوم قالوا لما قتلوا الرجل وفارقتهم الرسل، أو قتلوا الرجل مع الرسل الثلاثة، على اختلاف الروايات : يا حسرة على هؤلاء الرسل، وعلى هذا الرجل، ليتنا آمنا بهم في الوقت الذي ينفع الإيمان.
وتم الكلام على هذا، ثم ابتدأ فقال :﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ ﴾.
وقرأ ابن هُرْمُز ومسلم بن جُنْدب وعِكرمة :"يَا حَسْرَهْ عَلَى الْعِبَادِ" بسكون الهاء للحرص على البيان وتقرير المعنى في النفس ؛ إذ كان موضع وعظ وتنبيه والعرب تفعل ذلك في مثله، وإن لم يكن موضعاً للوقف.
ومن ذلك ما روي عن النبيّ ﷺ أنه كان يُقَطِّعُ قراءته حرفاً حرفاً ؛ حرصاً على البيان والإفهام.
ويجوز أن يكون "عَلَى الْعِبَادِ" متعلقاً بالحسرة.
ويجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف لا بالحسرة ؛ فكأنه قدر الوقف على الحسرة فأسكن الهاء، ثم قال :"عَلَى الْعِبَادِ" أي أتحسر على العباد.
وعن ابن عباس والضحاك وغيرهما :"يَا حَسْرَةَ العِبَادِ" مضاف بحذف "على".
وهو خلاف المصحف.
وجاز أن يكون من باب الإضافة إلى الفاعل فيكون العباد فاعلين ؛ كأنهم إذا شاهدوا العذاب تحسروا فهو كقولك يا قيام زيدٍ.
ويجوز أن تكون من باب الإضافة إلى المفعول، فيكون العباد مفعولين ؛ فكأن العباد يتحّسر عليهم من يشفق لهم.
وقراءة من قرأ :"يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ" مقوِّية لهذا المعنى.
قوله تعالى :﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ القرون أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ قال سيبويه :"أنّ" بدل من "كم"، ومعنى كم هاهنا الخبر ؛ فلذلك جاز أن يبدل منها ما ليس باستفهام.
والمعنى : ألم يروا أن القرون الذين أهلكناهم أنهم إليهم لا يرجعون.
وقال الفراء :"كَمْ" في موضع نصب من وجهين : أحدهما ب"يَرَوْا" واستشهد على هذا بأنه في قراءة ابن مسعود "أَلَمْ يَرَوْا مَنْ أَهْلَكْنَا".