﴿ ياحسرة عَلَى العباد ﴾ تعالى فهذه من الأحوالِ التي حقُّها أنْ تحضرِي فيها، وهي ما دلُّ عليه قولُه تعالى ﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ ﴾ فإنَّ المستهزئينَ بالنَّاصحينَ الذين نيطت بنصائِحهم سعادةُ الدَّارينِ أحقَّاءُ بأنْ يتحسَّروا ويتحسَّرُ عليهم المتحسِّرون. أو قد تلهَّفَ على حالهم الملائكةُ والمؤمنون من الثَّقلينِ. وقد جُوِّز أنْ يكون تحسُّراً عليهم من جهةِ الله تعالى بطريق الاستعارةِ لتعظيم ما جنَّدوه على أنفسِهم. ويؤيِّده قراءةُ يَا حسرتَا لأنَّ المعنى يا حسرتِي ونصبُها لطولِها بما تعلَّق بها من الجارِّ وقيل : بإضمارِ فعلِها، والمنادى محذوفٌ وقُرىء يا حسرةَ العبادِ بالإضافةِ إلى الفاعلِ أو المفعولِ وياحسرة على العبادِ بإجراءِ الوصلِ مجرى الوقفِ.
﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ ﴾ أي ألم يعلمُوا وهو معلَّقٌ عن العمل في قوله تعالى ﴿ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ القرون ﴾ لأنَّ كم لا يعملُ فيها ما قبلها وإنْ كانتْ خبريَّةً لأنَّ أصلَها الاستفهامُ خلا أنَّ معناه نافذٌ في الجُملةِ كما نفذَ في قولك ألم تَرَ إنَّ زيداً لمنطلقٌ وإن لم يعملْ في لفظه ﴿ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ بدلٌ من كم أهلكنا على المعنى أيْ ألم يروا كثرةَ إهلاكِنا من قبلهم من المذكُورين آنِفاً ومن غيرهم كونهم غير راجعين إليهم. وقُرىء بالكسرِ على الاستئنافِ. وقُرىء ألم يَرَوا من أهلكنا والبدلُ حينئذٍ بدلُ اشتمالٍ.


الصفحة التالية
Icon