وقال الآلوسى :
﴿ وَمَا أَنزَلْنَا على قَوْمِهِ ﴾
أي قوم الرجل الذي قيل له ﴿ ادخل الجنة ﴾ [ يس : ٢٦ ] ﴿ مِن بَعْدِهِ ﴾ أي من بعد قتله، وقيل : من بعد رفعه إلى السماء حيا ﴿ مِن جُندٍ ﴾ أي جندا فمن مزيدة لتؤكيد النفي، وقيل : يجوز أن تكون للتبعيض وهو خلاف الظاهر، والجند العسكر لما فيه من الغلظة كأنه من الجند أي الأرض الغليظة التي فيها حجارة، والظاهر أن المراد بهذا الجند جند الملائكة أي ما أنزلنا لاهلاكهم ملائكة ﴿ مّنَ السماء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴾ وما صح في حكمتنا أن ننزل الجند لاهلاكهم لما أنا قدرنا لكل شيء سبباً حيث أهلكنا بعض من أهلكنا من الأمم بالحاصب وبعضهم بالصيحة وبعضهم بالخسف وبعضهم بالاغراق وجعلنا إنزال الجند من خصائصك في الانتصار لك من قومك وكفينا أمر هؤلاء بصيحة ملك صاح بهم فهلكوا كما قال سبحانه :
إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (٢٩)
﴿ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحدة فَإِذَا هُمْ خامدون ﴾ وفي ذلك استحقار لهم ولا هلاكهم وإيماء إلى تفخيم شأن النبي ﷺ، وفسر أبو حيان الجند بما يعم الملائكة فقال : كالحجارة والريح وغير ذللك والمتبادر ما تقدم، وقيل : الجند ملائكة الوحي الذين ينزلون على الأنبياء عليهم السلام أي قطعنا عنهم الرسالة حين فعلوا ما فعلوا ولم نعبأ بهم وأهلكناهم، وعن الحسن ومجاهد قالا قطع الله تعالى عنهم الرسالة حين قتلوا رسله، وهذا التفسبر بعيد جداً، وقتل الرسل الثلاثة محكى في البحر بقيل وهو ظاهر هذا المروى لكن المعروف أنهم لم يقتلوا وإنما قتل حبيب فقط، وذهبت فرقة إلى أن ما في قوله تعالى :﴿ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴾ [ يس : ٢٨ ] موصولة معطوفة على ﴿ جُندٌ ﴾ والمراد ما أنزلنا على قومه من بعده جنداً من السماء وما أنزلنا الذي كنا منزليه على الذين من قبلهم من حجارة وريح وغير ذلك.


الصفحة التالية
Icon