في المواضع التي ذكر الله الفواكه لم يذكر التمر بلفظ شجرته وهي النخلة ولم يذكر العنب بلفظ شجرته بل ذكره بلفظ العنب والأعناب، ولم يذكر الكرم وذلك لأن العنب شجرته بالنسبة إلى ثمرته حقيرة قليلة الفائدة والنخل بالنسبة إلى ثمرته عظيمة جليلة القدر كثيرة الجدوى، فإن كثيراً من الظروف منها يتخذ وبلحائها ينتفع ولها شبه بالحيوان فاختار منها ما هو الأعجب منها، وقوله تعالى :﴿وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ العيون﴾ آية عظيمة لأن الأرض أجزاؤها بحكم العادة لا تصعد ونحن نرى منابع الأنهار والعيون في المواضع المرتفعة وذلك دليل القدرة والاختيار والقائلون بالطبائع قالوا إن الجبال كالقباب المبنية والأبخرة ترتفع إليها كما ترتفع إلى سقوف الحمامات وتتكون هناك قطرات من الماء ثم تجتمع، فإن لم تكن قوية تحصل المياه الراكدة كالآبار وتجري في القنوات، إن كانت قوية تشق الأرض وتخرج أنهاراً جارية وتجتمع فتحصل الأنهار العظيمة وتمدها مياه الأمطار والثلوج، فنقول اختصاص بعض الجبال بالعيون دليل ظاهر على الاختيار وما ذكروه تعسف، فالحق هو أن الله تعالى خلق الماء في المواضع المرتفعة وساقها في الأنهار والسواقي أو صعد الماء من المواضع المتسفلة إلى الأماكن المرتفعة بأمر الله وجرى في الأودية إلى البقاع التي أنعم الله على أهلها.
ثم قال تعالى :﴿لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ﴾ والترتيب ظاهر ويظهر أيضاً في التفسير وفيه مسائل :
المسألة الأولى :