ولما كان قد أنجى سبحانه آباءنا حين حمله في ذلك الماء الذي لم يكن مثله قط، وكان ربما ظن أن الإنجاء لسر من الأسرار غير إرادته، جعل أمر ما خلق من مثله تارة وتارة ليعرف أن ذلك هو بصنعه فتشكر نعمته أولاً وآخراً فقال :﴿وإن نشأ﴾ أي لأجل ما لنا من القوة الشاملة ﴿نغرقهم﴾ أي مع أن هذا الماء الذي يركبونه لا يعشر ذلك الذي حملنا فيه آباءهم ﴿فلا صريخ لهم﴾ أي مغيث ينجيهم مما نريد بهم من الغرق ﴿ولا هم﴾ أي بأنفسهم من غير صريخ ﴿ينقذون﴾ أي يكون لهم إنقاذ أي خلاص بأنفسهم أو غيرها.
ولما كان هو سبحانه يصرخ من يشاء فينجيه وكانت " لا " نافية نفياً مستغرقاً، استثنى ما كان منه سبحانه فقال :﴿إلا رحمة﴾ أي إلا نحن فننقذهم إن شئنا رحمة ﴿منا﴾ أي لهم، لا وجوباً علينا، ولا لمنفعة تعود منهم إلينا ﴿ومتاعاً﴾ أي لهم ﴿إلى حين﴾ أي وهو حين انقضاء آجالهم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٦ صـ ٢٦١ ـ ٢٦٥﴾