لا يترك طريقة الاحتراز والاحتياط، وجواب قوله :﴿إِذَا قِيلَ لَهُمْ اتقوا﴾ محذوف معناه وإذا قيل لهم ذلك لا يتقون أو يعرضون، وإنما حذف لدلالة ما بعده عليه وهو قوله تعالى :﴿وَمَا تَأْتِيهِم مّنْ ءَايَةٍ مّنْ آيات ربهم﴾ [ الأنعام : ٤ ] وفي قوله تعالى :﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ﴾ وجوه أحدها :﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ﴾ الآخرة فإنهم مستقبلون لها ﴿وَمَا خَلْفَكُمْ﴾ الدنيا فإنهم تاركون لها وثانيها :﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيكُم﴾ من أنواع العذاب مثل الغرق والحرق، وغيرهما المدلول عليه بقوله تعالى :﴿وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ﴾ [ يس : ٤٣ ] وما خلفكم من الموت الطالب لكم إن نجوتم من هذه الأشياء فلا نجاة لكم منه يدل عليه قوله تعالى :﴿ومتاعا إلى حِينٍ﴾ [ يس : ٤٤ ] وثالثها : ما بين أيديكم من أمر محمد ﷺ فإنه حاضر عندكم وما خلفكم من أمر الحشر فإنكم إذا اتقيتم تكذيب محمد ﷺ والتكذيب بالحشر رحمكم الله وقوله تعالى :﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ مع أن الرحمة واجبة، فيه وجوه ذكرناها مراراً ونزيد ههنا وجهاً آخر وهو أنه تعالى لما قال :﴿اتقوا﴾ بمعنى أنكم إن لم تقطعوا بناء على البراهين فاتقوا احتياطاً قال :﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ يعني أرباب اليقين يرحمون جزماً وأرباب الاحتياط يرجى أن يرحموا، والحق ما ذكرنا من وجهين أحدهما : اتقوا راجين الرحمة فإن الله لا يجب عليه شيء وثانيهما : هو أن الاتقاء نظراً إليه أمر يفيد الظن بالرحمة فإن كان يقطع به أحد لأمر من خارج فذلك لا يمنع الرجاء فإن الملك إذا كان في قلبه أن يعطي من يخدمه أكثر من أجرته أضعافاً مضاعفة لكن الخدمة لا تقتضي ذلك، يصح منه أن يقول افعل كذا ولا يبعد أن يصل إليك أجرتك أكثر مما تستحق.