ولما كان هذا النفخ سبباً لقيامهم عنده سواء من غير تخلف، عبر سبحانه بما يدل على التعقب والتسبب والفجاءة فقال :﴿فإذا هم﴾ أي في حين النفخ ﴿من الأجداث﴾ أي القبور المهيأة هي ومن فيها لسماع ذلك النفخ ﴿إلى ربهم﴾ أي الذي أحسن إليهم بالتربية والتهيئة لهذا البعث فكفروا إحسانه، لا إلى غيره ﴿ينسلون﴾ أي يسرعون المشي مع تقارب الخطى بقوة ونشاط، فيا لها من قدرة شاملة وحكمة كاملة، حيث كان صوت واحد يحيي تارة ويميت أخرى، كأنه ركب فيه من الأسرار أنه يكسب كل شيء ضد ما هو عليه من حياة أو موت أو غشي أو إفاقة.
ولما تشوفت النفس إلى سماع ما يقولون إذا عاينوا ما كانوا ينكرون، استأنف قوله :﴿قالوا﴾ أي الذين هم من أهل الويل من عموم الذين الذين قاموا بالنفخة وهم جميع من كان قد مات قبل ذلك.
ولما كانوا عالمين بأن جزاء ما أسلفوا كل خزي، اتبعوه قولهم حاكياً سبحانه عبارتهم إذ ذاك لأنه أنكى لهم :﴿يا ويلنا﴾ أي ليس بحضرتنا اليوم شيء ينادمنا إلا الويل، ثم استفهموا جرباً على عادتهم في الغباوة فقالوا مظهرين لضميرهم تخصيصاً للويل بهم لأنهم في معرض الشك :﴿من بعثنا من مرقدنا﴾ عدوا مكانهم الذين كانوا به - مع ما كانوا فيه من عذاب البرزخ - مرقداً هنيئاً بالنسبة إلى ما انكشف لهم أنهم لا قوة من العذاب الأكبر، ووحدوه إشارة إلى أنهم على تكاثرهم وتباعدهم كانوا في القيام كنفس واحدة ثم تذكروا ما كانوا يحذرونه من أن الله هو يبعثهم للجزاء الذي هو رحمة الملك لأهل مملكته، فقالوا مجيبين لأنفسهم استئنافاً :﴿هذا ما﴾ أي الوعد الذي ﴿وعد﴾ أي به، وحذفوا المفعول تعميماً لأنهم الآن في حيز التصديق ﴿الرحمن﴾ أي العام الرحمة الذي رحمانيته مقتضية ولا بد للبعث لينصف المظلوم من ظالمه، ويجازي كلاًّ بعمله من غير حيف، وقد رحمنا بإرسال الرسل إلينا بذلك، وطال ما أنذرونا حلوله، وحذرونا صعوبته وطوله.


الصفحة التالية
Icon