وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَنُفِخَ فِي الصور ﴾
هذه النفخة الثانية للنشأة.
وقد بيّنا في سورة "النمل" أنهما نفختان لا ثلاث.
وهذه الآية دالة على ذلك.
وروى المبارك بن فضالة عن الحسن قال قال رسول الله ﷺ :" بين النفختين أربعون سنة : الأولى يميت الله بها كلّ حيّ، والأخرى يحيي الله بها كل ميّت " وقال قتادة : الصُّور جمع صُورَة ؛ أي نفخ في الصور والأرواح.
وصُورَة وصُور مثل سُورَة البناء وسُور ؛ قال العَجَّاج :
ورُبَّ ذِي سُرَادِقٍ مَحْجُورِ...
سِرْتُ إليهِ في أَعالِي السُّورِ
وقد روي عن أبي هريرة أنه قرأ :"وَنُفِخَ فيِ الصُّورِ".
النحاس : والصحيح أن "الصور" بإسكان الواو : القَرْن ؛ جاء بذلك التوقيف عن رسول الله ﷺ، وذلك معروف في كلام العرب.
أنشد أهل اللغة :
نحنُ نَطَحْنَاهُمْ غَداةَ الْغُورَيْن...
بالضَّابِحاتِ في غُبَار النَّقْعَيْن
نَطْحًا شديداً لا كَنَطْحِ الصُّورَيْن...
وقد مضى هذا في "الأنعام" مستوفًى.
﴿ فَإِذَا هُم مِّنَ الأجداث ﴾ أي القبور.
وقرىء بالفاء "مِنَ الأَجْدَافِ" ذكره الزمخشري.
يقال : جَدَثٌ وَجَدَفٌ.
واللغة الفصيحة الجدث ( بالثاء ) والجمع أَجْدُث وأجداث ؛ قال المتنخِّل الهذليّ :
عَرفتُ بأَجْدُثٍ فنِعافِ عِرْقٍ...
عَلاَماتٍ كتَحبِير النِّمَاطِ
واجتدث : أي اتخذ جَدَثاً.
﴿ إلى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ﴾ أي يخرجون ؛ قاله ابن عباس وقتادة.
ومنه قول امرىء القيس :
فَسُلِّي ثِيابي منْ ثِيَابِكِ تَنْسُليِ...
ومنه قيل للولد نَسْل ؛ لأنه يخرج من بطن أمه.
وقيل : يسرعون.
والنَّسَلان والعَسَلان : الإسراع في السير، ومنه مشية الذئب ؛ قال :
عسَلانَ الذِّئْبِ أَمْسَى قَارِباً...
بَرَدَ الليلُ عليه فَنَسَلْ
يقال : عَسَل الذئبُ ونَسَل، يَعْسِل ويَنْسِل، من باب ضرب يضرب.
ويقال : يَنسُل بالضم أيضاً.