ومعنى هذه القراءات كلها أنهم يتحاورون ويتراجعون الأقوال بينهم ويتدافعون في شؤونهم، وقرأ حمزة " يخصمون " وهذه تحتمل معنيين أحدهما المذكور في القراءات أي يخصم بعضهم بعضاً في شؤونهم والمعنى الثاني يخصمون أهل الحق في زعمهم وظنهم، كأنه قال تأخذهم الصيحة وهم يظنون بأنفسهم أنهم قد خصموا وغللوا لأنك تقول خاصمت فلاناً فخصمته إذا غلبته، وقوله تعالى :﴿ فلا يستطيعون توصية ﴾ عبارة عن إعجال الحال، والتوصية مصدر من وصى، وقوله تعالى :﴿ ولا إلى أهلهم يرجعون ﴾ يحتمل ثلاث تأويلات : أحدها ولا يرجع أحد إلى منزله وأهله لإعجال الأمر بل تفيض نفسه حيثما أخذته الصيحة، والثاني معناه ﴿ ولا إلى أهلهم يرجعون ﴾ قولاً وهذا أبلغ في الاستعجال وخص الأهل بالذكر لأن القول معهم في ذلك الوقت أهم على الإنسان من الأجنبيين وأوكد في نفوس البشر، والثالث تقديره ﴿ ولا إلى أهلهم يرجعون ﴾ أبداً، فخرج هذا عن معنى وصف الاستعجال إلى معنى ذكر انقطاعهم وانبتارهم من دنياهم، وقرأ الجمهور " يَرجِعون " بفتح الياء وكسر الجيم، وقرأ ابن محيصن بضم الياء وفتح الجيم.
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١)
هذه نفخة البعث، و﴿ الصور ﴾ القرن في قول جماعة المفسرين وبذلك تواترت الأحاديث، وذهب أبو عبيدة إلى أن ﴿ الصور ﴾ جمع صورة خرج مخرج بسر وبسرة وكذلك قال سورة البناء جمعها سور، والمعنى عنده وعند من قال بقوله نفخ في صور بني آدم فعادوا أحياء، و﴿ الأجداث ﴾ القبور، وقرأ الأعرج " في الصوَر " بفتح الواو جمع صورة، و﴿ ينسلون ﴾ معناه يمشون بسرعة، والنسلان مشية الذئب، ومنه قول الشاعر :
عسلان الذيب أمسى قارباً... برد الليل عليه فنسل


الصفحة التالية
Icon