ولما كان هذا القرآن مبيناً، وكان الرسول ـ ﷺ ـ متخلقاً به، فهو مظهره وصورة وسورته، فكان حاله مقتضياً لئلا يتخلف عن الإيمان حيّ، قال مظهراً لما كان حقه في بادي الرأي الإضمار إفادة للتعميم مبيناً لأن حكمه سبحانه منع من ذلك، فانقسم المنذورن إلى قسمين :﴿من كان﴾ كوناً متمكناً ﴿حياً﴾ أي حياة كاملة معنوية تكون سبباً للحياة الدائمة، فإنه لا يتوقف حينئذ عن الإيمان به خوفاً مما يخوف به من الأمور التي لا يتوجه إليها ريب بوجه، فيرجى له الخير، فهو مؤمن في الحقيقة وإن ظهر عليه في أول أمره خلاف ذلك، وأفرد الضمير هنا على اللفظ إشارة إلى قلة السعداء، وجمع في الثاني على المعنى إعلاماً بكثرة الأشقياء ﴿ويحق﴾ أي يجب ويثبت ﴿القول﴾ أي بالعذاب ﴿على الكافرين﴾ أي العريقين في الكفر فإنهم أموات في الحقيقة وإن رأيتهم أحياء، فالآية من الاحتباك : حذف الإيمان أولاً لما دل عليه من ضده ثانياً، وحذف الموت ثانياً لما دل عليه من ضده أولاً، فتحقق بهذا أن أعظم منافاة القرآن للشعر وكذا السجع من أجل أنه جد كله، فمحط أساليبه بالقصد الأول المعاني والألفاظ تابعة، والشاعر والساجع محط نظرهما بالقصد الأول الروي والقافية والفاصلة حتى أن ذلك ليؤدي إلى ركة المعنى والكلام بغير الواقع ولا بد، كما قال حسان بن ثابت ـ رضى الله عنه ـ وحاله معروف في البلاغة والتفنن في أساليب الكلام وصدق اللهجة وحسن الإسلام في غزوة الغابة وكان أميرها سعد بن زيد الأشهلي ـ رضى الله عنه ـ :
أسر أولاد اللقيطة أننا...
سلم غداة فوارس المقداد


الصفحة التالية
Icon