﴿ وَأَنِ اعبدونى ﴾ عطف على أنْ لا تعبدُوا على أنَّ أنْ فيهما مفسِّرةٌ للعهد الذي فيه معنى القول بالنهي والأمر، أو مصدرَّيةٌ حُذف عنها الجارُّ أي ألم أعهد إليكم في ترك عبادةِ الشَّيطانِ وفي عبادتي. وتقديم النَّهي على الأمر لما أنَّ حقَّ التَّخليةِ كما في كلمة التَّوحيدِ وليتصل به قوله تعالى ﴿ هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ ﴾ فإنَّه إشارة إلى عبادته تعالى التي هي عبارةٌ عن التَّوحيدِ والإسلام، وهو المشار إليه بقوله تعالى :﴿ هَذَا صراط عَلَىَّ مُسْتَقِيمٌ ﴾ والمقصود بقوله تعالى :﴿ لاقْعُدَنَّ لَهُمْ صراطك المستقيم ﴾ والتَّنكيرُ للتَّفخيمِ، واللام في قوله تعالى ﴿ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً ﴾ جواب قسم محذوف والجملة استئناف مَسوق لتشديد التَّوبيخِ وتأكيد التَّقريعِ ببيان أن جناياتِهم ليستْ بنقض العهدِ فقط بل به وبعدم الاتِّعاظِ بما شاهدوا من العقوبات النَّازلةِ على الأُمم الخاليةِ بسبب طاعتهم للشَّيطانِ، فالخطابُ لمتأخِّريهم الذين من جُملتهم كُفَّارُ مكَّةَ خُصُّواً بزيادة التَّوبيخِ والتَّقريعِ لتضاعف جناياتهمِ والجِبِلُّ بكسرِ الجيم والباءِ وتشديدِ اللاَّم الخَلْقُ. وقُرىء بضمَّتينِ وتشديدٍ، وبضمَّتينِ وتخفيفٍ، وبضمَّةٍ وسكونٍ، وبكسرتينِ وتخفيفٍ، وبكسرةٍ وسكونٍ. والكلُّ لغاتٌ. وقُرىء جِبَلاً جمعُ جِبْلةٍ كفِطَرٍ وخِلَقٍ في جمعِ فِطْرةٍ وخِلْقةٍ. وقُرىء جِيْلاً بالياء وهو الصِّنفُ من النَّاسِ أي وبالله لقد أضلَّ منكم خَلْقاً كثيراً أو صِنفاً كثيراً عن ذلك الصِّراطِ المستقيم الذي أمرتُكم بالثَّباتِ عليه فأصابهم لأجلِ ذلك ما أصابَهم من العُقوبات الهائلةِ التي ملأ الآفاقَ أخبارُها وبقي مدى الدَّهرِ آثارُها. والفاءُ في قوله تعالى :﴿ أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ ﴾ للعطفِ على مقدَّرٍ يقتضيهِ المقامُ أي أكنتُم تشاهدونَ آثارَ عقوباتِهم فلم تكونوا تعقلون أنَّها