ولما كان المقصود بهذا الخطاب تقريعهم وتوبيخهم وتبكيتهم، وكانت هذه السورة القلب، وكان القلب أشرف الأعضاء، وكان الإنسان أشرف الموجودات، خصه بالخطاب لأنه خطابه خطاب للجن فقال مؤكداً ما أفهمه حرف الغاية من علو رتبته، وعظيم منزلته بما أشارت إليه أداة البعد :﴿يا بني آدم﴾ أي فلم أخصكم بذلك عن أبناء غير نوعكم ليكون ذلك التخصيص حاملاً لكم على العصيان بل ليكون موجباً للطاعات والعرفان :﴿أن لا تعبدوا الشيطان﴾ أي البعيد المحترق بطاعتكم له فيما يوسوس لكم به، ثم علل النهي عن عبادته بما يقتضي شدة النفرة منه بعد أن لوّح إلى ذلك بوصفه فقال :﴿إنه لكم﴾ والتأكيد لأن أفعالهم أفعال من يعتقد صداقته ﴿عدو مبين﴾ أي ظاهر العداوة جداً من جهة عداوته لأبيكم العداوة التي أخرجتكم من الجنة التي لا منزل أشف منها، ومن جهة أمره لكم بما يبغض الدنيا من التخالف والتخاصم، ومن جهة تزيينه للفاني الذي لا يرغب فيه عاقل لو لم يكن فيه عيب غير فنائه، فكيف إذا كان أكثره أكداراً وأدناساً وأوضاراً، فكيف إذا كان شاغلاً عن الباقي، فكيف إذا كان عائقاً عن المولى، فكيف إذا كان مغضباً له حاجباً عنه.
ولما بكتهم بالتذكير بما ارتكبوا مع النهي عن عبادة العدو تقديماً لدرء المفاسد، وبخهم بالتذكير بما ضيعوا مع أخذ العهود من واجب الأمر بعبادة الولي فقال عاطفاً على " أن لا " :﴿وأن اعبدوني﴾ ولما ذكر سبحانه بالأمر بعبادته، عرف بحسنها حثاً على لزومها قبل ذلك اليوم قائلاً :﴿هذا﴾ أي الأمر بعبادتي ﴿صراط مستقيم﴾ أي بليغ القوم، وعبادة الشيطان صراط ضيق معوج غاية الضيق والعوج.