﴿ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾ أي كيف يبدىء ويعيد.
الثانية : في هذه الآية دليل على أن في العظام حياة وأنها تنجس بالموت.
وهو قول أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي.
وقال الشافعي رضي الله عنه : لا حياة فيها.
وقد تقدّم هذا في "النحل".
فإن قيل : أراد بقوله ﴿ مَن يُحيِي العظام ﴾ أصحاب العظام، وإقامة المضاف مقام المضاف إليه كثير في اللغة، موجود في الشريعة.
قلنا : إنما يكون إذا احتيج لضرورة وليس هاهنا ضرورة تدعو إلى هذا الإضمار، ولا يفتقر إلى هذا التقدير، إذ الباري سبحانه قد أخبر به وهو قادر عليه والحقيقة تشهد له ؛ فإن الإحساس الذي هو علامة الحياة موجود فيه ؛ قاله ابن العربي.
قوله تعالى :﴿ الذي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشجر الأخضر نَاراً ﴾ نبّه تعالى على وحدانيته، ودل على كمال قدرته في إحياء الموتى بما يشاهدونه من إخراج المحرِق اليابس من العود النديّ الرطب.
وذلك أن الكافر قال : النطفة حارة رطبة بطبع الحياة فخرج منها الحياة، والعظم بارد يابس بطبع الموت فكيف تخرج منه الحياةا فأنزل الله تعالى :﴿ الذي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشجر الأخضر نَاراً ﴾ أي إن الشجر الأخضر من الماء والماء بارد رطب ضد النار وهما لا يجتمعان، فأخرج الله منه النار ؛ فهو القادر على إخراج الضد من الضد، وهو على كل شيء قدير.
ويعني بالآية ما في المَرْخ والعَفَار، وهي زنادة العرب ؛ ومنه قولهم : في كل شجر نار واستمجد المَرْخُ والعَفَار ؛ فالعَفَار الزَّنْد وهو الأعلى، والمَرْخ الزَّنْدة وهي الأسفل ؛ يؤخذ منهما غصنان مثل المسواكين يقطران ماء فيحك بعضهما إلى بعض فتخرج منهما النار.
وقال :﴿ مِّنَ الشجر الأخضر ﴾ ولم يقل الخضراء وهو جمع، لأنه رده إلى اللفظ.
ومن العرب من يقول : الشجر الخضراء ؛ كما قال عز وجل :﴿ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون ﴾ [ الواقعة : ٥٢ ٥٣ ]. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١٥ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon