وهكذا لم يعلم الناس أنهم إزاء هذا القرآن فريقان : فريق يستجيب فهو حي. وفريق لا يستجيب فهو ميت. ويعلم هذا الفريق أن قد حق عليه القول، وحق عليه العذاب!
والمقطع الثاني في هذا القطاع يعرض قضية الألوهية والوحدانية، في إطار من مشاهدات القوم، ومن نعم البارئ عليهم، وهم لا يشكرون :
﴿ أو لم يروا أن خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون؟ وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون. ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون؟ واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون. لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون. فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون ﴾..
أو لم يروا؟ فآية الله هنا مشهودة منظورة بين أيديهم، ليست غائبة ولا بعيدة، ولا غامضة تحتاج إلى تدبر أو تفكير.. إنها هذه الأنعام التي خلقها الله لهم وملكهم إياها. وذللها لهم يركبونها ويأكلون منها ويشربون ألبانها، وينتفعون بها منافع شتى.. وكل ذلك من قدرة الله وتدبيره ؛ ومن إيداعه ما أودع من الخصائص في الناس وفي الأنعام، فجعلهم قادرين على تذليلها واستخدامها والانتفاع بها. وجعلها مذللة نافعة ملبية لشتى حاجات الإنسان. وما يملك الناس أن يصنعوا من ذلك كله شيئاً. وما يملكون أن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له. وما يملكون أن يذللوا ذبابة لم يركب الله في خصائصها أن تكون ذلولاً لهم!.. ﴿ أفلا يشكرون؟ ﴾..
وحين ينظر الإنسان إلى الأمر بهذه العين وفي هذا الضوء الذي يشيعه القرآن الكريم. فإنه يحس لتوه أنه مغمور بفيض من نعم الله. فيض يتمثل في كل شيء حوله. وتصبح كل مرة يركب فيها دابة، أو يأكل قطعة من لحم، أو يشرب جرعة من لبن، أو يتناول قطعة من سمن أو جبن.