الخطاب للرسول ﷺ وهو يواجه أولئك الذين اتخذوا من دون الله آلهة. والذين لا يشكرون ولا يذكرون. ليطمئن بالاً من ناحيتهم. فهم مكشوفون لعلم الله. وكل ما يدبرونه وما يملكونه تحت عينه. فلا على الرسول منهم. وأمرهم مكشوف للقدرة القادرة. والله من ورائهم محيط..
ولقد هان أمرهم بهذا. وما عاد لهم من خطر يحسه مؤمن يعتمد على الله. وهو يعلم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون. وأنهم في قبضته وتحت عينه وهم لا يشعرون!
والمقطع الثالث في هذا القطاع الأخير يتناول قضية البعث والنشور :
﴿ أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين. وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه. قال : من يحيي العظام وهي رميم؟ قل : يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم.
الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون. أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم؟ بلى وهو الخلاق العليم. إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له : كن. فيكون ﴾
..
ويبدأ هذا المقطع بمواجهة الإنسان بواقعه هو ذاته في خاصة نفسه. وهذا الواقع يصور نشأته وصيرورته مما يراه واقعاً في حياته، ويشهده بعينه وحسه مكرراً معاداً. ثم لا ينتبه إلى دلالته، ولا يتخذ منه مصداقاً لوعد الله ببعثه ونشوره بعد موته ودثوره..
﴿ أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين ﴾..
فما النطفة التي لا يشك الإنسان في أنها أصله القريب؟ إنها نقطة من ماء مهين، لا قوام ولا قيمة! نقطة من ماء تحوي ألوف الخلايا.. خلية واحدة من هذه الألوف هي التي تصير جنينا. ثم تصير هذا الإنسان الذي يجادل ربه ويخاصمه ويطلب منه البرهان والدليل!
والقدرة الخالقة هي التي تجعل من هذه النطفة ذلك الخصيم المبين. وما أبعد النقلة بين المنشأ والمصير! أفهذه القدرة يستعظم الإنسان عليها أن تعيده وتنشره بعد البلى والدثور؟


الصفحة التالية
Icon