١- الالتفات في قوله " ومالي لا أعبد الذي فطرني " وفائدته أن انتقاله من مخاطبتهم ومناصحتهم إلى التكلم تلطفا بهم من جهة ووعيدا لهم من جهة ثانية، فقد صرف الكلام أولا إلى نفسه وأراهم أنه لا يختار لهم إلا ما يختاره لنفسه، ثم التفت إلى مخاطبتهم ثانيا مقرعا مهددا بالعواقب التي تنتظرهم، ثم عاد أخيرا إلى التلطف في النصيحة لأن ذلك أدخل في إمحاض النصح حيث لا يريد لهم إلا ما يريد لنفسه، وقد وضع قوله :" ومالي لا أعبد الذي فطرني " مكان قوله : وما لكم لا تعبدون الذي فطركم، ألا ترى إلى قوله " وإليه ترجعون " ولولا أنه قصد ذلك لقال الذي فطرني وإليه أرجع وقد ساقه ذلك المساق إلى أن قال :" إني آمنت بربكم فاسمعون " فانظر أيها المتأمل إلى هذه النكت الدقيقة التي تمر عليها في القرآن الكريم وأنت تظن أنك فهمت فحواها واستنبطت رموزها.
٢- ائتلاف الفاصلة :
وفي قوله :" قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين " فن ائتلاف الفاصلة مع ما يدل عليه سائر الكلام، فإن ذكر الجنة مهد لفاصلتها وفي ذلك تنبيه عظيم على
وجوب كظم الغيظ والحلم عن أهل الجهل والترؤف على من أدخل نفسه في غمار الأشرار وأهل البغي والتشمير فيه، ألا ترى كيف تمنى الخير لقتلته ولمن ترصدوا له وتربصوا به الدوائر ونصبوا له الغوائل والمهالك، هذا من جهة ثم إن في تمنيه أن يعلموا ليروعوا إلى أنفسهم بعد أن ينجلي الرين عن صدورهم وتنجاب الغواشي عن عيونهم فيبدو الصبح لذي عينين، وتتبدد حنادس الشك والمين، وفي ذلك انتصار له وقوز لدعوته وما بعد ذلك غبطة لمستزيد.
٣- التشبيه البليغ في قوله " فإذا هم خامدون " شببهم بالنار الخامدة التي صارت رمادا على حد قول لبيد :
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يحور رمادا إذ هو ساطع


الصفحة التالية
Icon