المسألة الثانية : أن الله تعالى لما وعده بأن يجعله إماماً للناس حقق الله تعالى ذلك الوعد فيه إلى قيام الساعة، فإن أهل الأديان على شدة اختلافها ونهاية تنافيها يعظمون إبراهيم عليه الصلاة والسلام ويتشرفون بالانتساب إليه إما في النسب وإما في الدين والشريعة حتى إن عبدة الأوثان كانوا معظمين لإبراهيم ـ عليه السلام ـ، وقال الله تعالى في كتابه :﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتبع مِلَّةَ إبراهيم حَنِيفًا﴾ [النحل : ١٢٣] وقال :﴿مِنْ يَرْغَبُ عَن مِلَّةِ إبراهيم إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ [البقرة : ١٣٠] وقال في آخر سورة الحج :﴿مّلَّةَ أَبِيكُمْ إبراهيم هُوَ سماكم المسلمين مِن قَبْلُ﴾ [الحج : ٧٨] وجميع أمة محمد عليه الصلاة والسلام يقولون في آخر الصلاة وارحم محمداً وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ٤ صـ ٣٦ ـ ٣٧﴾
سؤال : لم عدل عن التعبير ﴿برسولاً﴾ إلى ﴿إماماً﴾ ؟
وإنما عدل عن التعبير ﴿برسولاً﴾ إلى ﴿إماماً﴾ ليكون ذلك دالاً على أن رسالته تنفع الأمة المرسَل إليها بطريق التبليغ، وتنفع غيرهم من الأمم بطريق الاقتداء، فإن إبراهيم ـ عليه السلام ـ رحل إلى آفاق كثيرة فتنقل من بلاد الكلدان إلى العراق وإلى الشام والحجاز ومصر، وكان في جميع منازله محل التبجيل ولا شك أن التبجيل يبعث على الاقتداء. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ١ صـ ٤٠٤﴾
قوله تعالى ﴿قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾
سؤال : لم قال إبراهيمُ ـ عليه السلام ـ :﴿ومن ذريتي﴾ ولم يقل وَذُريتي ؟
وإنما قال إبراهيمُ :﴿ومن ذريتي﴾ ولم يقل وَذُريتي لأنه يعلَم أن حكمة الله من هذا العالم لم تجر بأن يكون جميع نسل أحد ممن يصلحون لأن يُقتدَى بهم فلم يسأل ما هو مستحيل عادة لأن سؤال ذلك ليس من آداب الدعاء.


الصفحة التالية
Icon