وقوله تعالى :﴿لا ينال عهدي الظالمين﴾ استجابة مطوية بإيجاز وبيان للفريق الذي تتحقق فيه دعوة إبراهيم والذي لا تتحقق فيه بالاقتصار على أحدهما لأن حكم أحد الضدين يثبت نقيضه للآخر على طريقة الإيجاز، وإنما لم يُذكر الصنف الذي تحقق فيه الدعوة لأن المقصد ذكر الصنف الآخر تعريضاً بأن الذين يزعمون يومئذ أنهم أولى الناس بإبراهيم وهم أهل الكتاب ومشركو العرب هم الذين يُحرمون من دعوته، قال تعالى :﴿ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه﴾ [آل عمران : ٦٧، ٦٨] ولأن المربي يقصد التحذير من المفاسد قبل الحث على المصالح، فبيان الذين لا تتحقق فيهم الدعوة أولى من بيان الآخرين.
أهـ ﴿التحرير والتنوير حـ١ صـ ٤٠٥﴾
سؤال : لم سمي وعد الله عهداً ؟
وسمي وعد الله عهداً لأن الله لا يخلف وعده كما أخبر بذلك فصار وعده عهداً ولذلك سماه النبيء عهداً في قوله " أَنشُدك عهدك ووعدك"، أي لاينال وعدي بإجابة دعوتك الظالمين منهم، ولا يحسن أن يفسر العهد هنا بغير هذا وإن كان في مواقع من القرآن أريد به غيره، وسيأتي ذكر العهد في سورة الأعراف.
ومن دقة القرآن اختيار هذا اللفظ هنا لأن اليهود زعموا أن الله عهد لإبراهيم عهداً بأنه مع ذريته ففي ذكر لفظ العهد تعريض بهم وإن كان صريح الكلام لتوبيخ المشركين. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ١ صـ ٤٠٦﴾
قوله تعالى :﴿قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين﴾.
الجمهور على نَصْب " الظَّالمِينَ " مفعولاً، و" عَهْدِي " فاعل، اي : لا يصل عهدي إلى الظالمين فيدركهم.
وقرأ قتادة، والأعمش، وأبو رجاء :" الظَّالِمُونَ " بالفاعلية، و" عَهْدِي " مفعول به، والقراءتان ظاهرتان ؛ إذ الفعل يصحّ نسبته إلى كل منهما، فإن من نالك فقد نِلْته. أ هـ ﴿اللباب ـ لابن عادل حـ٢ صـ٨٤﴾