وَدَلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَكُونُ حَاكِمًا، وَأَنَّ أَحْكَامَهُ لَا تَنْفُذُ إذَا وَلِيَ الْحُكْمَ، وَكَذَلِكَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا خَبَرُهُ إذَا أَخْبَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا فُتْيَاهُ إذَا كَانَ مُفْتِيًا، وَأَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ لِلصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ لَوْ قُدِّمَ وَاقْتَدَى بِهِ مُقْتَدٍ كَانَتْ صَلَاتُهُ مَاضِيَةً فَقَدْ حَوَى قَوْلُهُ :﴿ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ هَذِهِ الْمَعَانِي كُلِّهَا وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجْوِيزُ إمَامَةِ الْفَاسِقِ وَخِلَافَتِهِ وَأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَاكِمِ فَلَا يُجِيزُ حُكْمَهُ، وَذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَهُوَ الْمُسَمَّى زُرْقَانَ وَقَدْ كَذَبَ فِي ذَلِكَ وَقَالَ بِالْبَاطِلِ، وَلَيْسَ هُوَ أَيْضًا مِمَّنْ تُقْبَلُ حِكَايَتُهُ وَلَا فَرْقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ الْقَاضِي وَبَيْنَ الْخَلِيفَةِ فِي أَنَّ شَرْطَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْعَدَالَةُ، وَأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَكُونُ خَلِيفَةً وَلَا يَكُونُ حَاكِمًا ؛ كَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا خَبَرُهُ لَوْ رَوَى خَبَرًا عَنْ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَيْفَ يَكُونُ
خَلِيفَةً وَرِوَايَتُهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَأَحْكَامُهُ غَيْرُ نَافِذَةٍ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى ذَلِكَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ أَكْرَهَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي أَيَّامِ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى الْقَضَاءِ وَضَرَبَهُ فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَحُبِسَ فَلَجَّ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَجَعَلَ يَضْرِبُهُ كُلَّ يَوْمٍ أَسْوَاطًا.


الصفحة التالية
Icon