فَلَيْسَ إذًا فِي وِلَايَةِ الْقَضَاءِ مِنْ قِبَلِهِمْ وَلَا أَخْذِ الْعَطَاءِ مِنْهُمْ دَلَالَةٌ عَلَى تَوْلِيَتِهِمْ وَاعْتِقَادِ إمَامَتِهِمْ وَرُبَّمَا احْتَجَّ بَعْضُ أَغْبِيَاءِ الرُّفَضَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ فِي رَدِّ إمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا ظَالِمَيْنِ حِينَ كَانَا مُشْرِكَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهَذَا جَهْلٌ مُفْرِطٌ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ السِّمَةَ إنَّمَا تَلْحَقُ مَنْ كَانَ مُقِيمًا عَلَى الظُّلْمِ، فَأَمَّا التَّائِبُ مِنْهُ فَهَذِهِ السِّمَةُ زَائِلَةٌ عَنْهُ، فَلَا جَائِزَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِصِفَةٍ فَزَالَتْ الصِّفَةُ زَالَ الْحُكْمُ، وَصِفَةُ الظُّلْمِ صِفَةُ ذَمٍّ، فَإِنَّمَا يَلْحَقُهُ مَا دَامَ مُقِيمًا عَلَيْهِ، فَإِذَا زَالَ عَنْهُ زَالَتْ الصِّفَةِ عَنْهُ ؛ كَذَلِكَ يَزُولُ عَنْهُ الْحُكْمُ الَّذِي عَلِقَ بِهِ مِنْ نَفْيِ نَيْلِ الْعَهْدِ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ : إنَّمَا هُوَ نَهْيٌ عَنْ الرُّكُونِ إلَيْهِمْ مَا أَقَامُوا عَلَى الظُّلْمِ ؟ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :﴿ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ﴾ إنَّمَا هُوَ مَا أَقَامُوا عَلَى الْإِحْسَانِ فَقَوْلُهُ :﴿ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ لَمْ يَنْفِ بِهِ
الْعَهْدَ عَمَّنْ تَابَ عَنْ ظُلْمِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُسَمَّى ظَالِمًا كَمَا لَا يُسَمَّى مَوْسُومًا مَنْ تَابَ مِنْ الْكُفْرِ كَافِرًا.