سؤال : فإن قيل : كون البيت مثابة يحصل بمجرد عودهم إليه، وذلك يحصل بفعلهم لا بفعل الله تعالى، فما معنى قوله :﴿وَإِذْ جَعَلْنَا البيت مَثَابَةً لّلنَّاسِ﴾ ؟
الجواب : قلنا : أما على قولنا ففعل العبد مخلوق لله تعالى فهذه الآية حجة على قولنا في هذه المسألة، وأما على قول المعتزلة فمعناه أنه تعالى ألقى تعظيمه في القلوب ليصير ذلك داعياً لهم إلى العود إليه مرة بعد أخرى، وإنما فعل الله تعالى ذلك لما فيه من منافع الدنيا والآخرة، أما منافع الدنيا فلأن أهل المشرق والمغرب يجتمعون هناك، فيحصل هناك من التجارات وضروب المكاسب ما يعظم به النفع، وأيضاً فيحصل بسبب السفر إلى الحج عمارة الطريق والبلاد، ومشاهدة الأحوال المختلفة في الدنيا، وأما منافع الدين فلأن من قصد البيت رغبة منه في النسك والتقرب إلى الله تعالى، وإظهار العبودية له، والمواظبة على العمرة والطواف، وإقامة الصلاة في ذلك المسجد المكرم والاعتكاف فيه، يستوجب بذلك ثواباً عظيماً عند الله تعالى. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ٤ صـ ٤٣﴾
قوله تعالى :﴿وَأَمْناً﴾ فيه قولان :
أحدهما : لأمنه في الجاهلية من مغازي العرب، لقوله :﴿وءَامَنَهُم مِنْ خَوفٍ﴾ [قريش : ٤].
والثاني : لأمن الجناة فيه من إقامة الحدود عليهم حتى يخرجوا منه. أ هـ ﴿النكت والعيون حـ١ صـ ١٨٦﴾
وقال ابن عطية :
و﴿أمناً﴾ معناه أن الناس يغيرون ويقتتلون حول مكة وهي أمنة من ذلك، يلقى الرجل بها قاتل أبيه فلا يهيجه، لأن الله تعالى جعل في النفوس حرمة وجعلها أمناً للناس والطير والوحوش، وخصص الشرع من ذلك الخمس الفواسق، على لسان النبي ـ ﷺ ـ. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ١ صـ ٢٠٧﴾
وقال الإمام الجصاص ـ رحمه الله ـ
وَقَوْلُهُ :﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا﴾ إنَّمَا هُوَ حُكْمٌ مِنْهُ بِذَلِكَ لَا خَبَرٌ.