من فوائد الإمام الجصاص فى الآية
قال رحمه الله :
قَوْله تَعَالَى :﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا ﴾ أَمَّا الْبَيْتُ فَإِنَّهُ يُرِيدُ بَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامَ، وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْبَيْتِ مُطْلَقًا لِدُخُولِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ عَلَيْهِ ؛ إذْ كَانَا يَدْخُلَانِ لِتَعْرِيفِ الْمَعْهُودِ أَوْ الْجِنْسِ، وَقَدْ عَلِمَ الْمُخَاطَبُونَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْجِنْسَ، فَانْصَرَفَ إلَى الْمَعْهُودِ عِنْدَهُمْ وَهُوَ الْكَعْبَةُ، وَقَوْلُهُ :﴿ مَثَابَةً لِلنَّاسِ ﴾ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَثُوبُونَ إلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ : أَنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ أَحَدٌ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ قَدْ قَضَى وَطَرًا مِنْهُ، فَهُمْ يَعُودُونَ إلَيْهِ، وَقِيلَ فِيهِ : إنَّهُمْ يَحُجُّونَ إلَيْهِ فَيُثَابُونَ عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : أَصْلُهُ مِنْ ثَابَ يَثُوبُ مَثَابَةً وَثَوَابًا : إذَا رَجَعَ ؛ قَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّمَا أَدْخَلَ الْهَاءَ عَلَيْهِ لِلْمُبَالَغَةِ لَمَّا كَثُرَ مَنْ يَثُوبُ إلَيْهِ، كَمَا يُقَالُ : نَسَّابَةٌ وَعَلَّامَةٌ وَسَيَّارَةٌ وَقَالَ الْفَرَّاءُ : هُوَ كَمَا قِيلَ الْمَقَامَةُ وَالْمَقَامُ.
وَإِذَا كَانَ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لَمَا تَأَوَّلَهُ السَّلَفُ مِنْ رُجُوعِ النَّاسِ إلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ، وَمِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ أَحَدٌ إلَّا وَهُوَ يُحِبُّ الْعَوْدَ إلَيْهِ وَمِنْ أَنَّهُمْ يَحُجُّونَ إلَيْهِ فَيُثَابُونَ ؛ فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ ذَلِكَ كُلَّهُ.


الصفحة التالية
Icon