قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَهُوَ عَلَى قَوْلِ مَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ الطَّائِفِينَ عَلَى الْغُرَبَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ لِلْغُرَبَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ ؛ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ قَدْ أَفَادَ لَا مَحَالَةَ الطَّوَافَ لِلْغُرَبَاءِ ؛ إذْ كَانُوا إنَّمَا يَقْصِدُونَهُ لِلطَّوَافِ، وَأَفَادَ جَوَازَ الِاعْتِكَافِ فِيهِ بِقَوْلِهِ ﴿ وَالْعَاكِفِينَ ﴾ وَأَفَادَ فِعْلَ الصَّلَاةِ فِيهِ أَيْضًا وَبِحَضْرَتِهِ، فَخَصَّ الْغُرَبَاءَ بِالطَّوَافِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الطَّوَافِ لِلْغُرَبَاءِ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ الَّذِي هُوَ لُبْثٌ مِنْ غَيْرِ طَوَافٍ، وَقَدْ رُوِيَ
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ : أَنَّ الطَّوَافَ لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ أَفْضَلُ، وَالصَّلَاةَ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَفْضَلُ ؛ فَتَضَمَّنَتْ الْآيَةُ مَعَانِيَ، مِنْهَا : فِعْلُ الطَّوَافِ فِي الْبَيْتِ وَهُوَ قُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهُ الثَّوَابَ، وَأَنَّهُ لِلْغُرَبَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ وَفِعْلُ الِاعْتِكَافِ فِي الْبَيْتِ وَبِحَضْرَتِهِ بِقَوْلِهِ ﴿ وَالْعَاكِفِينَ ﴾.
وَقَدْ دَلَّ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا ؛ إذْ لَمْ تُفَرِّقَ الْآيَةُ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْهَا، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي امْتِنَاعِهِ مِنْ جَوَازِ فِعْلِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ فِي الْبَيْتِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ أَنَّهُ صَلَّى فِي الْبَيْتِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ ﴾ فَتِلْكَ الصَّلَاةُ لَا مَحَالَةَ كَانَتْ تَطَوُّعًا ؛ لِأَنَّهُ صَلَّاهَا حِينَ دَخَلَ ضُحَى وَلَمْ يَكُنْ وَقْتَ صَلَاةٍ.