ومن لطائف الإمام القشيرى فى الآية الكريمة
﴿لِلنَّاسِ وَأَمْنًا﴾.
واذكر يا محمد حين جعلنا البيت - يعني الكعبة - مثابة للناس إليه يثوبون، ومأمنًا لهم إليه يرجعون، وإياه من كل نحوٍ يقصدون.
هو بيت خلقتُه من الحجر ولكن أضفته إلى الأزل ؛ فمن نظر إلى البيت بعين الخِلْقَة انفصل، ومن نظر إليه بعين الإضافة وصل واتصل (١)، وكلُّ من التجأ إلى ذلك البيت أَمِنَ من عقوبة الآخرة إذا كان التجاؤه على جهة الإعظام والاحترام، والتوبة عن الآثام.
ويقال بُنيَ البيتُ من الحجر لكنه حجر يجذب القلوب كحجر المغناطيس يجذب الحديد.
بيتٌ من وقع عليه ظِلُّه أناخ بعَقْوَةِ (٢) الأمن.
بيتٌ مَنْ وقع عليه طَرْفُه بُشِّرَ بتحقيق الغفران.
بيتٌ مَنْ طاف حَوْلَه طافت اللطائف بقلبه، فطَوْفَة بطوفة، وشَوْطة بشوطة وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
بيتٌ ما خَسِرَ مَنْ أنفق على الوصول إليه مَالَه.
بَيت ما ربح مَنْ ضَنَّ عليه بشيءٍ ؛ مَنْ زاره نَسِيَ مزارَه، وهجر ديارَه.
بيت لا تُسْتَبْعَدُ إليه المسافة، بيت لا تُنْرَك زيارته لحصول مخافة، أو هجوم آفة، بيت ليس له بمهجة الفقراء آفة.
بيت من قعد عن زيارته فَلِعدَمِ فُتَوَّتِه، أو لقلة محبته.
بيتٌ من صَبِرَ عنه فقلبه أقسى من الحجارة. بيت من وقع عليه شعاعُ أنواره تَسَلَّى عن شموسه وأقماره.
بيت ليس العجب ممن بقي (عنه) كيف يصبر، إنما العجب ممن حضره كيف يرجع !. أ هـ ﴿لطائف الإشارات حـ١ صـ ١٢٢ ـ ١٢٣﴾
(١) قارن رأى القشيري الصوفي الحريص بآراء بعض الصوفية الذين أوتوا حظا من الجرأة فى التعبير.
عن هذا الموضوع، من ذلك مثلا قول رابعة «لا أريد الكعبة بل رب الكعبة أما الكعبة فماذا أفعل بها | ولم تشأ أن تنظر إليها (تذكرة الأولياء. العطار ج ١ ص ٦١). |
(٢) العقوة - الموضع المتسع أمام الدار أو المحلة أو حولهما (الوسيط ص ٦٢٤).