وأما سورة ابراهيم فلم يتقدم فيها ما يقوم لاسم الإشارة مقام التابع النعرف بجنس ما يشار إليه فلم يكن بد من إجراء البلد عليه تابعا له بالألف واللام على المعهود الجارى فى أسماء الإشارة من تعيين جنس المشار إليه باسم جامد فى الغالب عطف بيان على قول الخليل. أو نعتا على الظاهر من كلام سيبويه، وانتصب اسم الإشارة المتبع على أنه مفعول أول و" آمنا" على أنه مفعول ثان ولم يكن عكس الوارد ليحسن ولا ليناسب وقيل فى الوارد فى سورة البقرة أنه أشار اليه قبل استقراره ﴿بلدا﴾ فأراد اجعل هذا الموضع أو هذا المكان بلدا آمنا واكتفى عن ذكر الموضع بالإشارة إليه واسم الإشارة على هذا مفعول أول و" بلدا" مفعول ثان و" آمنا" نعت له، وأشار إليه فى سورة ابراهيم بعد استقراره ﴿بلدا﴾ فجرى البلد على اسم الإشارة نعتا له وآمنا مفعول ثان قاله صاحب كتاب الدرة وهو عندى بعيد إذ ليس بمفهوم من لفظ الآى وهو بعد ممكن والله أعلم. أ هـ ﴿ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل ـ للعلامة أحمد بن إبراهيم بن الزبيرالثقفي العاصمي الغرناطي صـ ٥٠ ـ ٥١﴾
وقد ذكر ابن جزى ثلاثة أجوبة عن هذا السؤال هى :
بثلاثة أجوبة الجواب الأول قاله أستاذنا الشيخ أبو جعفر بن الزبير وهو أنه تقدم في البقرة ذكر البيت في قوله القواعد من البيت وذكر البيت يقتضي بالملازمة ذكر البلد الذي هو فيه فلم يحتج إلى تعريف بخلاف آية إبراهيم فإنها لم يتقدم قبلها ما يقتضي ذكر البلد ولا المعرفة به فذكره بلام التعريف
الجواب الثاني قاله السهبلي وهو أن النبي ـ ﷺ ـ كان بمكة حين نزلت آية إبراهيم لأنها مكية فلذلك قال فيه البلد بلام التعريف التي للحضور كقولك هذا الرجل وهو حاضر بخلاف آية البقرة فإنها مدنية ولم تكن مكة حاضرة حين نزولها فلم يعرفها بلام الحضور وفي هذا نظر لأن ذلك الكلام حكاية عن إبراهيم ـ عليه السلام ـ فلا فرق بين نزوله بمكة أو المدينة
الجواب الثالث قاله بعض المشارقة أنه قال ﴿هذا بلدا آمنا﴾ قبل أن يكون بلدا فكأنه قال : اجعل هذا الموضع بلدا آمنا وقال هذا البلد بعد ما صار بلدا وهذا يقتضي أن إبراهيم دعا بهذا الدعاء مرتين والظاهر أنه مرة واحدة حكى لفظه فيها على وجهين. أ هـ ﴿التسهيل ـ حـ ١ صـ٦٠﴾