قَوْله تَعَالَى :﴿ وَمَنْ كَفَرَ ﴾ قَدْ تَضَمَّنَ اسْتِجَابَتَهُ لِدَعْوَتِهِ وَإِخْبَارَهُ أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَيْضًا بِمَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ كَانَتْ دَعْوَةُ إبْرَاهِيمَ خَاصَّةً لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَدَلَّتْ " الْوَاوُ " الَّتِي فِي قَوْلِهِ ﴿ وَمَنْ كَفَرَ ﴾ عَلَى إجَابَةِ دَعْوَةِ إبْرَاهِيمَ وَعَلَى اسْتِقْبَالِ الْأَخْبَارِ بِمُتْعَةِ مَنْ كَفَرَ قَلِيلًا، وَلَوْلَا
الْوَاوُ لَكَانَ كَلَامًا مُنْقَطِعًا مِنْ الْأَوَّلِ غَيْرَ دَالٍّ عَلَى اسْتِجَابَةِ دَعَوْتِهِ فِيمَا سَأَلَهُ، وَقِيلَ فِي مَعْنَى ﴿ فَأُمَتِّعُهُ ﴾ أَنَّهُ إنَّمَا يُمَتِّعُهُ بِالرِّزْقِ الَّذِي يَرْزُقُهُ إلَى وَقْتِ مَمَاتِهِ.
وَقِيلَ :" أُمَتِّعُهُ " بِالْبَقَاءِ فِي الدُّنْيَا " وَقَالَ الْحَسَنُ :" أُمَتِّعُهُ " بِالرِّزْقِ وَالْأَمْنِ إلَى خُرُوجِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقْتُلُهُ إنْ قَامَ عَلَى كُفْرِهِ أَوْ يُجْلِيهِ عَنْهَا ".
فَتَضَمَّنَتْ الْآيَةُ حَظْرَ قَتْلِ مَنْ لَجَأَ إلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : قَوْلُهُ ﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا ﴾ مَعَ وُقُوعِ الِاسْتِجَابَةِ لَهُ، وَالثَّانِي : قَوْلُهُ ﴿ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ﴾ لِأَنَّهُ قَدْ نَفَى قَتْلَهُ بِذِكْرِ الْمُتْعَةِ إلَى وَقْتِ الْوَفَاةِ. أ هـ ﴿أحكام القرآن للجصاص حـ ١ صـ ٩٧ ـ ٩٩﴾