قرأها الناس بنصب التاء ورَفْعها والرفع أحبّ إلىَّ لأنها قراءة عَلىٍّ وابن مسعودٍ وعبدالله بن عبّاسٍ. حدّثنا أبو العباس قال حَدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال: حدَّثنى مِنْدَل بن عَلىّ العَنَزىّ عن الأعمش قال: قال شقيق: قرأت عند شُرَيْحٍ (بَلْ عجبتُ ويَسْخَرُوَن) فقال: إن الله لا يَعْجب منْ شىءٍ، إنها يَعجب مَن لا يعلم. قال: فذكرت ذلكَ لإبراهيم النَخَعىّ فقال: إن شُريحاً شاعر يعجُبهُ عِلمه، وعبدالله أعلم بذلكَ منه. قرأَهَا (بل عجبتُ ويَسْخَرُونَ).
قال أبو زكريّا: والعجب ب وإن أُسند إلى الله فليسَ مَعْنَاه من الله كمعنَاه مِنَ العباد، ألا ترى أَنه قال ﴿فيَسْخَرُونَ منهمْ سَخِر اللهُ مِنْهُمْ﴾ وليسَ السُخْرِىّ من الله كمعناه ﴿منَ العبَاد﴾ وكذلك قوله ﴿اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ ﴿ليسَ ذلك مِنَ الله كمعنَاه من العباد﴾ ففى ذَابيان (لكسر قول) شُرَيح، وإن كان جَائِزاً لأنّ المفسرينَ قالوا: بل عجبتَ يا محمد ويَسخرونَ هم. فهذا وجهُ النصب.
﴿ قَالُواْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ ﴾
وقوله: ﴿كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ...﴾
يَقُول: كنتم تأتوننا من قِبَل الدِّين، أى تأْتوننا تخدعوننا بأقوى الوجوه. واليمين: القدرة والقوّة. وكذلك قوله ﴿فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِاليَميِن﴾ أى بالقوّة والقدرة.
وقال الشاعر:
إذا مَا غاية رُفِعت لمجدٍ * تلقَّاهَا عَرَابةُ باليمينِ
بالقُدرة والقوَّة. وقد جَاء فى قوله ﴿فَرَاغَ عَليهِمْ ضَرْباً بِاليمينِ﴾ يقول: ضربهم بيمينه التى قالها ﴿وَتَاللهِ لأكِيدَنَّ أصْنَامَكُمْ﴾.
﴿ لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ ﴾
وقوله: ﴿لاَ فِيهَا غَوْلٌ...﴾
لو قلت: لا غَوْلَ فيها كان رفعاً ونصباً. فإذا حُلْت بينَ لا وبينَ الغول بلامٍ أو بغيرهَا من الصفات لم يكن إلا الرفع. والغَوْل يقول: ليسَ فيها غِيلة وَغَائِلة وغُول وغَوْل.


الصفحة التالية
Icon