"أُولئِكَ" المخلصون المقبولون عند اللّه "لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ ٤١" لدينا بكرة وعشيا راجع الآية ٦٢ من سورة مريم من ج ١ ثم أبدل فى هذا الرزق قوله "فَواكِهُ" للتلذذ ليس إلا، لأنهم بغنى عن الأكل والشرب، وأن حجتهم محفوظة، لأن اللّه تكفل بتخليدها في الجنة سالمة منعمة والفاكهة تشمل جميع الثمار رطبها ويابسها ومن الطعام ما يؤكل للتلذذ لا للتقوت "وَهُمْ مُكْرَمُونَ ٤٢" عند بارئهم معظّمون "فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ٤٣" "عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ ٤٤" بوجوههم إلى بعضهم وهو من آداب المجالسة كما مر في الآية ١٦ من الواقعة في ج ١ "يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ" مملوءة من الخمر الذي لم تمسه الأيدي ولم تطأه الأرجل، وقد ذكرنا في الآية ١٨ من سورة الواقعة المذكورة أن لا يقال كأس إلا وهي مملوءة بالشراب وإلا فهي زجاجة أو كوب أو إبريق وهذا الخمر ليس كخمر الدنيا وإنما هو "مِنْ مَعِينٍ" ٤٥ نهر جار أو ماء ظاهر فوق
الأرض يعانيه الخلق دون تكلف إلى إمعان النظر فيه ولهذا وصفها بقوله "بَيْضاءَ لَذَّةٍ" عظيمة في شربها "لِلشَّارِبِينَ" ٤٦ منها تكمل فيها لذة الحواس الخمس، وقاتل اللّه أبا نواس إذ يقول :
ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر
لأنه قصد اشتراك كافة حواسه بالمعصية، ولأن الشارب جهرا يخشى الخجل من الناس فلا يتم به السرور، لأنه لا يكمل إلا بالحرية المطلقة، ولأن الشارب حينما يتناول الكأس يلمسه ويشمه وينظره ويذوقه، فلم تبق إلا حاسة السمع، فإذا قال له خمر عند تقديمه له كملت لذة حواسه كلها اللهم أحرم أولياءك منها في الدنيا ومتعهم بها في الآخرة وألحقنا بهم يا ربنا.


الصفحة التالية
Icon