في تفسير ألفاظ هذه الآية، أما قوله :﴿فاستفتهم﴾ يعني أنه لما ثبت بالدلائل القاطعة كونه تعالى خالقاً للسموات والأرض وما بينهما فاستفت هؤلاء المنكرين وقل لهم ﴿أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً﴾ أم هذه الأشياء التي بينا كونه تعالى خالقاً لها ولم يحك عنهم أنهم أقروا أن خلق هذه الأشياء أصعب لأجل أن ظهور ذلك كالمعلوم بالضرورة فلا حاجة أن يحكى عنهم صحة أن الأمر كذلك.
ثم قال تعالى :﴿إِنَّا خلقناهم مّن طِينٍ لاَّزِبٍ﴾ يعني أنا لما قدرنا على خلق الحياة في ذواتهم أولاً وجب أن نبقى قادرين على خلق الحياة فيهم ثانياً، لما بينا أن حال القابل وحال الفاعل ممتنع التغير.
وفيه دقيقة أخرى وهي أن القوم قالوا كيف يعقل تولد الإنسان لا من النطفة ولا من الأبوين ؟ فكأنه قيل لهم إنكم لما أقررتم بحدوث العالم واعترفتم بأن السموات والأرض وما بينهما إنما حصل بتخليق الله تعالى وتكوينه فلا بد وأن تعترفوا بأن الإنسان الأول إنما حدث لا من الأبوين ؟ فإذا عقلتم ذلك واعترفتم به فقد سقط قولكم الإنسان كيف يحدث من غير النطفة ومن غير الأبوين، وأيضاً قد اشتهر عند الجمهور أن آدم مخلوق من الطين اللازب ومن قدر على خلق الحياة في الطين اللازب فكيف يعجز عن إعادة الحياة إلى هذه الذوات.


الصفحة التالية
Icon