" أقروا الطير على مكناتها "، قلت : إنهم كانوا إذا لم يروا سانحاً ولا بارحاً نفروا الطير لينظروا إلى أيّ جهة تطير - والله أعلم، وقال أبو حاتم : والأصل في هذا انهم كانوا يزجرون الطير ثم كانوا يزجرون الظبي والثعلب، وبصوت الإنسان يستدلون بلفظه وبغير ذلك، ثم نسبت كلها إلى الطير فقيل : يتطير، أي يستدل بالطير، وروي عن الأصعمي قال : سألت ابن عون : ما الفال؟ فقال : هو أن تكون مريضاً فتسمع : يا سالم، وتكون باغياً فتسمع يا واجد، قال : وكان ابن سيرين يكره الطيرة ويحب الفال، وفي الحديث :
" أصدق الطير الفال " والفال مأخوذ من الفيال، وهي لعبة يتقامرون بها، كانوا يأخذون الدراهم فيخلطونها بالتراب ثم يجمعونه طويلاً ثم يقسمونه بنصفين ويتقارعون عليه، فمن أصابه القرعة اختار من القسمين واحداً، فلما كان المفايل يختار منهما ما أحب سمي الفال، لأنه يتفاءل بما يحبه، وكان هذا في العرب كثيراً، وأكثره في بني أسد، قال الأصمعي : أخبرني سعد بن نصر أن نفراً من الجن تذاكروا عيافة بني أسد فأتوهم فقالوا : ضلت لنا ناقة، فلو أرسلتم معنا من يعيف، فقالوا لغليم لهم : انطلق معهم، فاستردفه أحدهم، ثم ساروا فلقيتهم عقاب كاسرة إحدى جناحيها، فاقشعر الغليم فبكى فقالوا له : ما لك؟ فقال : كسرت جناحاً، ورفعت جناحاً، وحلفت بالله صراحاً، ما أنت بإنسي ولا تبغي لقاحاً.
وكانوا يسمون الذي يجيء عن يمينك فيأخذ إلى شمالك سانحاً، والذي يجيء عن يسارك فيأخذ غلى يمينك بارحاً، والذي يستقبلك ناطحاً وكافحاً، والذي يجيء من خلفك قعيداً، والذي يعرض في كل وجه متيحاً، فمنهم من كان يتشاءم بالبارح ويتيمن بالسانح، ومنهم من كان يتيمن بالبارح ويتشاءم بالسانح، قال زهير :
جرت سنحاً فقلت لها أجيزي...
نوى مشمولة فمتى اللقاء
وقال الكميت :
ولا السانحات البارحات عشية...
أمر سليم القرن أم مر أعضب