﴿إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يقاتلون فِى سَبِيلِهِ صَفّاً﴾ [ الصف : ٤ ] وأما ( الزاجرات زجراً ) فالزجرة والصيحة سواء، والمراد منه رفع الصوت بزجر الخيل، وأما ( التاليات ذكراً ) فالمراد اشتغال الغزاة وقت شروعهم في محاربة العدو بقراءة القرآن وذكر الله تعالى بالتهليل والتقديس الوجه الرابع : في تفسير هذه الألفاظ الثلاثة أن نجعلها صفات لآيات القرآن فقوله :( والصافات صفاً ) المراد آيات القرآن فإنها أنواع مختلفة بعضها في دلائل التوحيد وبعضها في دلائل العلم والقدرة والحكمة وبعضها في دلائل النبوة وبعضها في دلائل المعاد وبعضها في بيان التكاليف والأحكام وبعضها في تعليم الأخلاق الفاضلة، وهذه الآيات مرتبة ترتيباً لا يتغير ولا يتبدل فهذه الآيات تشبه أشخاصاً واقفين في صفوف معينة قولوه :﴿فالزجرات زَجْراً﴾ المراد منه الآيات الزاجرة عن الأفعال المنكرة وقوله :﴿فالتاليات ذِكْراً﴾ المراد منه الآيات الدالة على وجوب الإقدام على أعمال البر والخير وصف الآيات بكونها تالية على قانون ما يقال شعر شاعر وكلام قائل قال تعالى :﴿إِنَّ هذا القرءان يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ﴾ [ الإسراء : ٩ ] وقال :﴿يس * والقرءان الحكيم﴾ [ يس : ١، ٢ ] قيل الحكيم بمعنى الحاكم فهذه جملة الوجوه المحتملة على تقدير أن تجعل هذه الألفاظ الثلاثة صفات لشيء واحد وأما الاحتمال الثاني : وهو أن يكون المراد بهذه الثلاثة أشياء متغايرة فقيل المراد بقوله :﴿والصافات صَفَّا﴾ الطير من قوله تعالى :﴿والطير صافات﴾ [ النور : ٤١ ] ( والزاجرات ) كل ما زجر عن معاصي الله ( والتاليات ) كل ما يتلى من كتاب الله وأقول فيه وجه آخر وهو أن مخلوقات الله إما جسمانية وإما روحانية، أما الجسمانية فإنها مرتبة على طبقات ودرجات لا تتغير ألبتة، فالأرض وسط العالم وهي محفوفة بكرة الماء والماء محفوف بالهواء، والهواء محفوف بالنار، ثم هذه الأربعة محفوفة بكرات