ولما كان ذلك لا يكمل إلا بالشراب، وكان المقصود الطواف فيه، لا كونه من معين، قال :﴿يطاف﴾ بالبناء للمفعول وكأنها يدلى إليهم من جهة العلو ليكون أشرف لها وأصون، فنبه على ذلك بأداة الاستعلاء فقال :﴿عليهم﴾ أي وهم فوق أسرتهم كالملوك ﴿بكأس﴾ أي إناء فيه خمر، قالوا : وإن لم يكن في الزجاجة خمر فهي قدح، ولا تسمى كأساً إلا والخمر فيها ﴿من معين﴾ أي من خمر جارية في أنهارها، ظاهرة للعيون تنبع كما تنبع الماء لا يعالجونها بعصير، ولا يحملهم على الرفق بها والتقصير فيها نوع تقصير، قال الرازي : إنما سميت به إما من ظهروها للعين أو لشدة جريها من الإمعان في السير أو لكثرتها من المعن، وهو الكثير، وسمي الماعون لكثرة الانتفاع به، ويقال : مشرب ممعون : لا يكاد ينقطع.
ولما كان أول ما يختار في الشراب لونه ثم طعمه، قال واصفاً ما في الكأس من الخمر استخداماً :﴿بيضاء﴾ أي مشرقة صافية هي في غاية اللطافة تتلألأ نوراً، وأعرق في وصفها بالطيب بجعلها تفسيراً للمعنى في قوله :﴿لذة للشاربين﴾ بما كانوا يتجرعون من كأسات الأحزان والأنكاد، وأظهر موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف، وجمع إشارة إلى أنهم لا يعلونها إلا كذلك بما فيه من مزيد اللذة.